للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمعرفة الله بآياته ليست موقوفة على الإحسان، فبطلان هذه الدعوى واضح، كما أن الأوجه التي ذكرها شيخ الإسلام كلها تبطل هذا الزعم.

ومما يبطله أيضاً ما ذكر في الأحاديث، أنه إذا قال لهم أولاً: ((أنا ربكم، يقولون: لا نشرك بالله شيئاً، أو نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء عرفناه، فيقول: هل بينكم وبينه آية، فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق، فلا يبقى ممن كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود)) إلى آخره.

وقد قال أهل التأويل الباطل: إن المراد بقوله: ((فيكشف عن ساق)) : الشدة، كما يقال: كشفت الحرب عن ساق.

كما قالوا في قوله: ((فيأتيهم في الصورة التي يعرفون)) إنها أمارات الإحسان)) وهذا تناقض، حيث جعلوا ما تتوقف معرفته عليه: مرةً الإحسان، ومرة أخرى هو الشدة والعذاب.

ومما يبطل قولهم أيضاً ما في حديث جابر: ((ثم يأتينا ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك، قال: فينطلق بهم ويتبعونه)) (١) ، وهذا صريح أن الذي أتاهم، والذي تجلى لهم هو ربهم – تعالى – وأنهم عرفوه لما تجلى لهم يضحك.

ثم إن جميع ألفاظ الحديث صريحة في أن الذي يأتي، وجاء إليهم، وقال: أنا ربكم، ورأوه، هو الذي سجدوا له، فاقتضى ذلك أن يكون المتجلي لهم، المسجود له، هو الذي جاءهم في الصورة، وتكرر ذلك، فلا يجوز أن يكون ذلك ملكاً، أو بعض النعم المخلوقة، أو شدة، أو غير ذلك مما زعمه المبطلون.


(١) رواه مسلم في ((صحيحه)) رقم (٣١٦) ، ورواه الإمام أحمد، انظر: ((المسند)) (٣/٣٤٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>