للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فيخر من كان يسجدله طوعاً، ويبقى قوم ظهورهم كأنها صياصي البقر)) (١) .

فلما ذكر تلك المعبودات، ذكر أنه يمثل أشباهها، وأن المعبود من الأنبياء تأتي شياطينهم؛ لأنهم قد اتبعوها في الدنيا وعبدوها، وذكر أن الرب - تعالى - لما امتحن العباد هو الذي يتمثل لهم، وهو الذي أظهر لهم العلامة التي عرفوه بها حتى سجدوا.

فلو كان الآتي هو ملك من ملائكة الله، أو شيء من مخلوقاته، لكان بيان هذا أولى من بيان أن أولئك إنما جاءت أشباههم، إذ في هذا من المحذور ما ليس في ذلك، بل هذا التفريق بين هذا وهذا دليل واضح على أن الذي أتاهم هو رب العالمين، الذي تمثل لهم في الصورة، والذي اتبعه المشركون هو أشباه المعبودات، وشياطين الأنبياء.

ومما يبين ذلك ما أخبر به: أنه بعد إتيانه إياهم في الصورة التي يعرفون، وإظهار الآية التي عرفوه بها، وسجود المؤمنين له دون المنافقين أنهم اتبعوه حتى مروا على الصراط، كما بين ذلك في حديث أبي هريرة وأبي سعيد وجابر وابن مسعود، فلو كان الذي جاء في هذه المرة الثانية هو بعض النعم – كما زعم المحرفون – لكانوا قد اتبعوا تلك النعمة المخلوقة، وليس الرب الذي عبدوه، وهو خلاف نصوص الأحاديث، وخلاف العدل الذي أخبر به الحديث، وذلك أن العبادة مستلزمة كمال المحبة للمعبود، وكمال التعظيم له، فإن المعبود هو الذي يقصد ويحب لذاته، والمرء مع من أحب، وهذا حقيقة العدل: أن يكون الإنسان مع المحبوب الذي يحبه محبة كاملة بحيث يحبه لذاته.


(١) رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في ((السنة)) (٢/٥٢١) فقرة (١٢٠٣) ، ورواه الدراقطني في كتاب: الرؤية، انظر: (ص ٢٩٧) رسالة دكتوراه من الجامعة الإسلامية.

<<  <  ج: ص:  >  >>