للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الرجل الذي هو آخر من يخرج من النار، من أهل الإيمان، يخاطبه الله - تعالى - بعد أن يدعوه، ويسأله بأن يصرف وجهه عن النار، فهو قد قصر مسألته لله على صرف وجهه عن النار فقط.

ولهذا يقول الله له: لعلك إذا أعطيتك ما سألتني، أن تسأل غيره، وليس ذلك لأن الله - تعالى - يكبر عليه شيء، بل لتحصل هذه المحاورة بين رب العالمين وبين هذا الرجل الذي هو أدنى أهل الجنة منزلة، وليظهر ضعف العبد، وقصر نظره، وغنى الرب - تعالى -، وكمال حلمه وعلمه، وحكمته ورحمته، وسيعيد البخاري هذا الحديث مستدلاً به على وقوع الكلام من الله - تعالى - لمن يشاء من عباده يوم القيامة.

قوله: ((فإذا أقبل على باب الجنة، ورآها، سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب: قدمني إلى باب الجنة)) أي: أنه يرى الجنة، ظاهراً، فيحاول أن يفي بعهوده ومواثيقه التي أعطاها ربه، فيسكت وقتاً، ولكن لضعفه وفقره، وحاجته إلى فضل ربه، لا يستطيع الصبر، فيعود مرة أخرى ناكثاً لعهوده ومواثيقه بأنه لا يسأل غير ما سأل أول مرة، ولكن الله - تعالى- يعفو عنه ويعذره؛ لأنه لا يستطيع الصبر على ما يرى.

وقول الله - تعالى - له: ((ويلك يا ابن آدم، ما أغدرك)) يعني: أنك كثير الغدر والخيانة، فقد نكثت بالعهود والمواثيق التي أعطيتها بأنك لا تسأل غير ما سألت مرات متعددة.

قوله: ((انفهقت له الجنة)) أي: انفتحت، وانزاحت الستائر التي تحجب الرؤية، قوله: ((الحبرة والسرور)) أي: يرى أنواع النعيم، من المأكولات، وغيرها، فالخير كله بحذافيره في الجنة.

قوله: ((لا أكون أشقى خلقك)) يقول ذلك، لأنه يشاهد أهل الجنة يتنعمون بأنواع النعيم، وما هم فيه من الفرح والسرور، وهو ممنوع عن دخولها،

<<  <  ج: ص:  >  >>