((فقد أخبرنا أنا نراه، وأخبرنا أيضاً أنه قد استوى على العرش، فهذه النصوص يصدق بعضها بعضاً، والعقل أيضاً يوافقها، ويدل على أنه سبحانه مباين لمخلوقاته، وأنه فوق سماواته، وأن وجود موجود لا مباين للعالم، ولا مداخل له، محال في بديهة العقل.
فإذا كانت رؤيته تعالى مستلزمة هذه المعاني التي شنعتم بها، فهي حق، وإذا سميتم أنتم هذا قولاً بالجهة والتجسيم، لم تكن هذه التسمية نافية لما علم بالشرع والعقل.
ثم يقال: ما تعنون بقولكم: إن هذا إثبات للجهة، والجهة ممتنعة على الله؟ أتعنون بالجهة أمراً وجودياً أو أمراً عدمياً؟
فإن أردتم الأول، فقد علم أنه ليس هناك موجود إلا الخالق والمخلوق، والله – تعالى – فوق مخلقاته، بائن منها.
وعليه فليس الله – تعالى – في جهة موجودة.
وقولكم: إن المرئي لا بد أن يكون في جهة موجودة، باطل، فإن سطح العالم مرئي، وليس هو في عالم آخر.
وإن فسرتم الجهة بأمر عدمي – كما تقولون -: ((إن الجسم في حيز، والحيز تقدير مكان، وتجعلون ما وراء العالم حيزاً)) .
فيقال: الجهة والحيز إذا كانا أمراً عدمياً فهو ليس شيئاً، وما كان في جهة عدمية أو في حيز عدمي فليس هو في شيء.
ولا فرق بين قول القائل: هذا ليس في شيء، وبين قوله: هو في العدم، أو أمر عدمي.
فإذا كان الخالق – تعالى – مبايناً للمخلوقات عالياً عليها، وما ثم موجود إلا الخالق، أو المخلوق، لم يكن معه غيره من الموجودات، فضلاً عن أن