ومراد البخاري - رحمه الله - من هذا الباب إثبات جنس الفعل لله تعالى؛ لقوله في الآية:((يمسك)) وقوله في الحديث: ((يضع السماوات على إصبع)) إلى آخره، وإن تقدم ذكر الاستواء المتضمن للعلو فهو من صفات الذات والفعل، وأما هذا فهو نوع آخر من صفات الله - تعالى - الدالة على أنه تعالى فعَّال لما يريد، وهذا ما أنكره أهل الباطل من معتزلة وغيرهم، فأراد البخاري أن ينبه عى بطلان قولهم.
يعني: أن الله - تعالى - هو الممسك للسماوات والأرض بقدرته، وإذا أراد أن يطوي السماوات والأرض لترك إمساكهما فزالتا، فهو تعالى يفعل باختياره ما شاء، وفعله غير خلقه، وهذا يرد مذهب المعتزلة ومن قال بقولهم، حيث قالوا: إن أفعال الله - تعالى - مخلوقة.
قال المؤلف - رحمه الله - في كتابه ((خلق أفعال العباد)) : ((ادعت المعتزلة: أن فعل الله مخلوق، وأن أفعال العباد غير مخلوقة، وهذا خلاف علم المسلمين، إلا من تعلق من البصريين بكلام سنسويه، كان مجوسياً فادعى الإسلام)) (١) .
يعني: أن المسلمين مجمعون على خلاف ما يقوله المعتزلة من أن فعل الله - تعالى - مخلوق، ومراده بذلك: أنه لا فرق عندهم بين الفعل والخلق، فليس لله فعل يفعله باختياره وإرادته، وإنما يخلق، والخلق هو المخلوق المفعول.
وقوله:((إلا من تعلق بكلام سنسويه من البصريين)) ، يقصد القدرية الذين أنكروا علم الله بالأشياء قبل وجودها، وتقديره لها، وخلقه إياها، فهؤلاء شذوا عن المسلمين.
وقد اتفق سلف هذه الأمة وأئمتها على أن الله - تعالى - متصف بصفات
(١) ((خلق أفعال العباد)) (ص٧٥) ، تحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة.