ويزيد ذلك تأكيداً وبياناً أن أحداً من الصحابة لم يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يستفسر عن شيء منها؛ لأنهم فهموا المراد من ظاهر الخطاب ونصه.
ومما يزيد ذلك تأكيداً أيضاً، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر ولا حرفاً واحداً يدل على وجوب التأويل كما يقوله الموجبون للتأويل.
ومعلوم أن بيان ما أنزل الله إلى عباده واجب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد فعل بقوله، وفعله، كما كان يقبض يديه ويبسطهما عندما ذكر قبض الله - تعالى - لسماواته وأرضه بيديه، تقريراً منه - صلى الله عليه وسلم - لظاهر النص، وتأكيداً لما يفهمه كل مخاطب عربي يسمع هذا الكلام، ولو كان من أبلد الناس.
وهذا الذي فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو فعله أحد أمام من يدعون التحقيق، وأنهم أهل السُّنَّة، لصاحوا به، وعدوه مشبهاً مجسماً.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يفعل مثل ذلك كثيراً عند ذكر صفات الله - تعالى -، كما سبق أنه - صلى الله عليه وسلم - لما قرأ قول الله - تعالى -: {وَكَانَ اللهُ سَمِيعَا بَصِيراً} .
وضع إصبعه على عينه، والأخرى على أذنه، زيادة إيضاح وتبيين أنه أراد ظاهر الخطاب، وكما سبق أيضاًً أنه قال:((إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر ليس دونهما سحاب ولا قتر)) ، وغير ذلك.
وفي هذا الحديث ثبوت صفة الكف لله - تعالى -؛ لقوله:((فيجعلهما في كفه)) .
وتقدم أن ضحك الرسول - صلى الله عليه وسلم - لفرحه بما قاله الحبر حيث ذكر ما يصدق ما جاء به - صلى الله عليه وسلم - مما أوحاه الله إليه، ولهذا قرأ قوله تعالى:{وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدرِهِ وَالأَرضُ جَمِيعَا قَبضَتُهُ يَومَ القِيامِةِ وَالسَّماواتُ مَطوِيَّاتٌ بِيمِينِهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَىَ عَمَّا يُشرِكُونَ}(١) ؛ لأن هذه الآية مطابقة لما قاله الحبر،