أما القسم الأول فلا يخالفه أحد، بل لابد من وقوعه وحصوله، وهو قد يكون متفقاً مع الكلام الشرعي الأمري، وقد يكون مخالفا له، وسيأتي تفصيل ذلك - إن شاء الله تعالى - في موضعه.
ومراد البخاري - رحمه الله - أن كلمة الله - تعالى - سبقت وجود الرسل والمرسل إليهم، فهي قبل الخلق الذي هو المخلوق، وهي غيره؛ لأنها صفة الله - تعالى -، وأما نصر الرسل وإسعادهم فهو جزاء عملهم وطاعتهم، فهو من إثابته لهم وفضله عليهم، فهو مخلوق بكلمته - تعالى -.
وأما قول الحافظ:((أشار به إلى ترجيح القول بأن الرحمة من صفات الذات؛ لكون الكلمة من صفات الذات، فمهما استشكل في إطلاق السبق في صفة الرحمة، جاء مثله في صفة الكلمة، ومهما أجيب عن قوله:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُناَ} حصل به الجواب عن قوله: ((سبقت رحمتي)) ، وقد غفل عن مراده من قال: دل وصف الرحمة بالسبق على أنها من صفات الفعل)) (١) .
فهذا بعيد كل البعد عن مراد البخاري، وهو مبني على مذهب الأشعرية القائلين بأن الكلام من صفات الذات، وهو المعنى القائم بذات الله - تعالى -، وهو مخالف لكتاب الله وسنة رسوله، واعتقاد أهل السُّنَّة، وإنما مراده ما ذكرت. والله أعلم.
وأما صفات الرحمة فتكون صفة ذات وصفة فعل، كما سبق الكلام في ذلك.
وفي كتاب ((خلق أفعال العباد)) للبخاري - رحمه الله - نقلاً عن أبي عبيدة:{إنمَاَ قَولُنَاَ لِشَيءٍ إِذَا أَرَدناهُ نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} ، فأخبر أن أول خلقه بقوله، وأول خلق هو من الشيء الذي قال:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ} فأخبر