وهذه الجملة هي المقصود من الحديث كما مر التنبيه على ذلك.
قوله:((لئن أدبرت ليعقرنك الله)) أي: أعرضت عن الحق الذي جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنك لا تعجز الله، فسوف يأخذك أخذ عزيز مقتدر، وقد فعل، فقتل شر قتلة، فقطع دابر القوم الذين لا يؤمنون، والحمد لله رب العالمين.
****
٨٨ - قال:((حدثنا موسى بن إسماعيل، عن عبد الواحد، عن الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة، عن ابن مسعود، قال: بينا أنا أمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض حرث المدينة، وهو يتوكأ على عسيب معه، فمررنا على نفر من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فقال بعضهم: لا تسألوه؛ أن يجيء فيه بشيء تكرهونه.
فقال بعضهم: لنسألنه، فقام إليه رجل منهم، فقال: يا أبا القاسم، ما الروح؟ فسكت عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلمت أنه يوحى إليه.
فقال:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} قال الأعمش: ((هكذا في قراءتنا)) .
تقدم أن هذه الواقعة كانت في المدينة، وفي هذه الرواية نص على ذلك، وفي هذا دليل على أن اليهود يعلمون أنه نبي؛ لعلمهم أن الروح لا يعلم حقيقتها إلا الله، ولأنهم قالوا: لا تسألوه أن يجيء فيه بشيء تكرهونه، وهذا لا يأتي إلا بالوحي، والذي منعهم من متابعته: الحسد والبغي والكبر والعناد، وقد تقدم شرح هذا الحديث.
والمقصود هنا قوله:{قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} أي: مأموره الذي قال له: كن، فيكون، فهو تعالى أوجد الأرواح بقوله، فقوله غير الذي أوجده به، كما تقدم إيضاح ذلك.