٩٠ – قال:((حدثنا مسدد، حدثنا عبد الوارث، عن عبد العزيز، عن أنس قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دعوتم الله فاعزموا في الدعاء، ولا يقولن أحدكم: إن شئت فأعطني، فإن الله لا مستكره له)) .
الدعاء عبادة للمدعو بالرغبة والرهبة، والذل والاستكانة والافتقار، ولهذا صار صرفه لغير الله شركاً أكبر، لا يغفره الله إلا بالتوبة منه.
والله جل وعلا هو رب الخلق وإلههم، خلقهم وتعبدهم، وجعل مصيرهم إليه، وهو يملك كل شيء، حتى أفعالهم الاختيارية لا يمكن أن تقع إلا بمشيئته.
ويملك هداية قلوبهم وإزاغتها، وهو الذي يحبب الإيمان إلى من يشاء، ويكرهه إلى من يشاء، ويكره الكفر والفسوق والعصيان إلى من يشاء، ويحببه إلى من يشاء، وبهذا يعلم شدة حاجة الإنسان إلى دعاء الله – تعالى – بصدق وإلحاح، وعزم قوي، ورغبة شديدة؛ لأنه فقير فقراً ذاتياً لا ينفك عنه لحظة واحدة إلى ربه، ولا خلاص له من العذاب السرمدي إلا إذا منّ الله عليه وتفضل بهدايته، لذلك وجب أن لا يعلق الدعاء على مشيئته – تعالى -، فهذه علة النهي، والعلة الثانية ما ذكره – صلى الله عليه وسلم – بقوله:((فإنه لا مستكره له)) فإن تعليق الدعاء بالمشيئة يشعر بأن الله – تعالى – يعطي ما لا يريد، كما يحصل لابن آدم، وهذا لا يجوز اعتقاده في الله.
والمقصود أنه يحرم تعليق الدعاء بالمشيئة لعلتين:
إحداهما: إشعار ذلك باستغناء الداعي عما يدعو، وهو خلاف الواقع، وخلاف العبودية الواجبة على العبد.
والثانية: إشعار ذلك بأن الله قد يعطي ما يكره عطاءه، فيجب على العبد أن يدعو ربه بعزم لا تردد فيه، وبرغبة وإلحاح وإظهار الافتقار والفاقة.