للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: ((فمن وَفَّى منكم)) أي: ثبت على العهد الذي أخذ عليه، ووفى به، دون وقوع في مخالفة (وفى)) بالتخفيف، وفي رواية بالتشديد، وكلاهما بمعنى واحد.

وقوله: ((فأجره على الله)) أطلق الأجر، ولم يعينه، لتفخيمه، وجاء في رواية تعيينه بالجنة، وهي الغاية التي يتسابق إليها العاملون.

قوله: ((ومن أصاب من ذلك شيئاً فأخذ به في الدنيا، فهو كفارة له وطهور)) يعني: إذا وقع في معصية مما ذكر أنه لا يفعله، ثم أقيم عليه الحد في الدنيا، فإن إقامة الحد عليه تكون كفارة له، وطهوراً يطهره، وهذا كما قال النووي مخصوص بالشرك، فإنه لا كفارة له إلا بالتوبة منه.

قال النووي: ((فيه تحريم هذه المذكورات، وما في معناها، وفيه الدلالة لمذهب أهل الحق أن المعاصي غير الكفر، ولا يقطع لصاحبها بالنار، إذا مات ولم يتب منها، بل هو بمشيئة الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه، خلافاً للخوارج والمعتزلة، فإن الخوارج يكفرون بالمعاصي، والمعتزلة يقولون: لا يكفر، ولكن يخلد في النار، وفيه أن إقامة الحد تكفر)) (١) .

قوله: ((ومن ستره الله، فذلك إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له)) .

هذا هو محل الشاهد من الحديث، وهو أن الله يفعل ما يشاء، لا يحكمه شيء، ولا يمنعه عما يريد شيء، وهو حكيم عليم، فمن أصاب معصية مما ذكر أو غيره فاستتر، ولم يؤخذ بها في الدنيا ثم مات بدون توبة، فإن أمره إلى الله إن شاء أن يعذبه عذبه، وإن شاء أن يعفو عنه عفا عنه.

وقد تقدم التنبيه أن هذا فيه رد لمذهب المعتزلة، مشبهة الأفعال، نفاة


(١) ((شرح مسلم)) (١١/٢٢٣-٢٢٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>