وقد ثبت بالنصوص الكثيرة اتصاف الله - تعالى - بالكلام، والنداء منه.
وأي محذور يخشاه هؤلاء الذين ينصبون أنفسهم لتحريف كلام الله وكلام رسوله، وصرفه عن الظاهر المراد منه، حتى عطلوه - تعالى-، حتى جعلوا المخلوق أكمل منه، ولذلك قالوا: المنادي ملك يأمره الله أن ينادي آدم، هذا مع وضوح الكلام وكونه يأبى هذا التحريف، فإنه قال:((يقول الله: يا آدم، فينادي بصوت)) فقوله: ((فينادي بصوت)) تفسير لقوله: ((يقول الله: يا آدم)) ، وبيان له، ولكن الذين تأثروا بأصول الجهمية ظنوا أن اتصاف الله - تعالى - بالكلام حقيقة والنداء من التشبيه، فنفوا ذلك عن الله - تعالى - ظانين أن هذا قول أهل السُّنَّة فصار الأخذ بظاهر هذا النص ونحوه لا يجوز؛ لأنه عندهم على خلاف أصولهم، التي منها: نفي حقيقة الكلام عن الله - تعالى -، فوجب تأويله - كما زعموا -، والحق خلاف ظنهم.
ثم نقول: إذا كان الله - تعالى - ليس هو المنادي، وإنما يأمر ملكاً ينادي، نقول: بأي شيء يأمر الملك، وأنتم تقولون: لا يتكلم بكلام يسمع منه؟ أيكون أمره بالإشارة؟ وبذلك يكون الملك أكمل من رب العالمين.
أم يكون الأمر بأن يخلقه بقلبه؟ فإن قالوا ذلك فيلزم أن يكون الأمر صفة للملك؛ لأن ما كان مخلوقاً فيه فهو صفة له.
فالحق أن الله يتكلم بصوت مسموع يسمعه من شاء من عباده، وليس الصوت الذي يتكلم الله به قديماً كما يقوله بعض أهل البدع، بل لم يزل يتكلم متى شاء، وسيكلم عباده يوم القيامة ويحاسبهم، كما في حديث عدي بن حاتم:((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان)) .
ولما علم أئمة الأشعرية القدماء أن الحروف والأصوات لا تكون قديمة العين، لم يمكنهم أن يقولوا: القديم هو الحروف، والأصوات؛ لأنها لا تكون إلا متعاقبة.