فعل تلك الأمور، وأحدثها، والدهر مخلوق له، هو الذي يصرفه، ويقلبه.
والتقدير: أن ابن آدم يسب من فعل هذه الأمور، وأنا فعلتها، فإذا سب الدهر فمقصوده سب الفاعل، وإن أضاف الفعل إلى الدهر، فالدهر لا فعل له، وإنما الفاعل هو الله وحده.
وهذا كرجل قضى عليه قاض بحق، أو أفتاه مفت بحق، فجعل يقول: لعن الله من قضى بهذا، أو أفتى بهذا، ويكون ذلك من قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وفتياه، فيقع السب عليه، وإن كان الساب لجهله أضاف الأمر إلى المبلغ، وهو ليس له إلا فعل التبليغ.
وأما الزمان، فلا فعل له، وإنما الله هو الذي يقلبه ويصرفه.
والقول الثاني: قول نعيم بن حماد، وطائفة معه: أن الدهر من أسماء الله، ومعناه: القديم الأزلي.
وهذا المعنى صحيح؛ لأن الله - تعالى - هو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، ولكن لا يسمى بالدهر، الذي هو الزمان، أو ما يجري مجرى الزمان)) (١) .
وقال ابن قتيبة: ((معناه: أن العرب في الجاهلية يقولون: أصابني الدهر في مالي، ونالتني قوارع الدهر، وبوائقه، ويقول الهرم: حناني الدهر. فينسبون كل شيء تجري به أقدار الله - عز وجل - عليهم من موت، أو سقم، أو ثكل، أو هرم إلى الدهر، ويلعنونه، ويسمونه: المنون، كما ذكر الله عنهم:{أَم يَقُولُونَ شَاعِرُ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيبَ المَنُونِ} والمنون: المنية، قال أبو ذؤيب: