قلت: هذا الحصر لا ينبغي، وإن كان التركيب في الحديث يفيده، ولكن فيما يظهر لي-والله أعلم- أنه غير مقصود؛ للأدلة على أن رحمة الله وسعت كل شيء، وإنما المقصود هنا رحمة خاصة بمن هذه صفتهم.
وهذا القدر من الحديث هو محل الشاهد الذي سيق الحديث من أجله، مع قوله "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده" وذلك أن القدر المشترك بين أسماء الله –تعالى- وصفاته، وبين أسماء المخلوقين وصفاتهم في اللفظ والمعنى لا يقتضي المشابهة؛ لأن أسماء الله –تعالى- حسنى، لا يلحقها نقص، ولا عيب، بخلاف أسماء المخلوقين-وإن كان منها الحسن- فليست بحسنى، ولأن الصفات تابعة للموصوف، وكذلك الأسماء، فالرحمة اسمه-تعالى-، والرحمة صفته، والمخلوق يتصف بالرحمة التي يرحم بها، وهي تابعة له في الخلق والمعنى، فهي مخلوقة فيه؛ لأنه مخلوق فصفاته مخلوقة، وهو ضعيف فقير محتاج، وصفاته تناسبه في ذلك مع أنه يسمى "رحيماً" و"راحماً" والله-تعالى موصوف بالرحمة ويسمى "رحيماً"، ولا يكون في ذلك تشبيه؛ لأن المخلوق اسمه وصفته يختص به، والله-تعالى- اسمه وصفته يختصان به، فرحمة الله صفه له عليا، صفة الكمال، وسالمة من كل نقص أو عيب يمكن أن يلحق المخلوق، فليست رحمته-تعالى- عن ضعف أو عجز، بل عن كمال فضله وإحسانه، ولا يجوز أن تؤول بالثواب أو العطاء، أو إرادة ذلك، وما أشبهه مما يقوله أهل التأويل، كما ذكر الحافظ ابن حجر عن شراح البخاري وغيرهم، كقول ابن بطال: "إن المراد برحمته: إرادته تقع لمن سبق في علمه أنه ينفعه، وأما الرحمة التي جعلها في قلوب عباده، فهي من صفات الفعل (١) =
وصفها بأنه خلقها في قلوب عباده، وهي رقة على المرحوم، وهو سبحانه منزه عن
(١) صفات الفعل عند الأشعرية: ما فعله-تعالى- منفصلاً عنه- يعني مخلوقاته التي وجدت بصفة الخلق-وليس هناك اشتباه بين ما يسميه ابن بطال صفات فعل، وبين صفات الله، حتى يلزم ما ذكره.