ويقال له أيضاً: إن في الحديث قوله – تعالى -: ((من يسألني فأعطيه؟ من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له)) وهذا لا يجوز أن يقوله إلا رب العالمين، وهل يجوز أن الملك يقول: من يستغفرني؟ وهذا كافٍ في إبطال قول المتأولين، كما يبطل قول الحافظ:((مما يقوي التأويل ما رواه النسائي في بعض طرق الحديث: ((ينادي مناد: هل من داع فيستجاب له)) الحديث، وزعم القرطبي أن هذا يزيل الإشكال.
ونحن نقول لهؤلاء: إن الإشكال لازم لمذهبكم ولن ينفك عنه، ولن تجدوا ما يؤيده وإن أجهدتم أنفسكم، فهذه الرواية لا تخالف اللفظ الصريح الواضح الذي ضيق خناقكم، وقد جاء في بعض طرقه عند النسائي وابن ماجه قوله:((لا أسأل عن عبادي غيري)) .
مع أنه يجوز أن الله – تعالى – مع قوله ذلك – يأمر من ينادي، ولكن المنادي لا يقول:((من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)) .
ومن زعم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: إن الله يأمر منادياً يقول ذلك، فهو كاذب؛ لأنه خلاف المستفيض المتواتر عنه أن المنادي هو رب العالمين.
وأما قول البيضاوي:((إن ذلك عبارة عن نور رحمته)) إلى آخر ما قال.
فيقال: رحمة الله – تعالى – تنزل كل وقت وآن، لا يختص نزولها بوقت معين، ونور الرحمة لا يقول: من يسألني فأعطيه ... إلى آخره.
((والأمر والرحمة إما أن يراد بهما أعيان قائمة بنفسها كالملائكة، أو يراد بها صفات، وأعراض.
فإن أريد الأول، فالملائكة تنزل كل وقت، والنزول المذكور في الحديث خص بجوف الليل، وجعل منتهاه السماء الدنيا، ومعلوم أن الملائكة نزولهم لا يختص لا بهذا الزمن، ولا بذاك المكان.