إلى الإجابة والاستغفار، بكلامهما، وهذا محال عند السفهاء، فكيف عند الفقهاء؟
وقد علمتم ذلك ولكن تكابرون، وما بال رحمته وأمره ينزلان عند شطر الليل ثم لا يمكثان إلا إلى طلوع الفجر ثم يرفعان؟)) (١) .
وليس نزوله تعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلثه الآخر كنزول المخلوق الذي يتخيله الجهال، حتى يلزم منه أنه دائم النزول، وأنه تحت السماوات، وفوق السماء الدنيا مقدار ثلث الليل على كل بلد، ولو كان كما يتخيله الجهال لكان النزول ممتنعاً؛ وذلك لوجوه:
أحدها: أنه لا يكون فوق العرش أبداً، بل لا يزال نازلاً.
الثاني: أنه على هذا التقدير يلزم أن يكون الزمان بقدر ما هو عليه مرات كثيرة، ليقع النزول في ثلث ليل كل بلد، مع أن الليل يختلف طوله وقصره باختلاف عرض البلاد، واختلاف الأوقات.
الثالث: أنه لو كان كما تخيله الجاهل، فكيف يبقى عند هؤلاء إلى طلوع فجرهم، ويكون نازلاً عند من هم غربهم ولم يطلع فجرهم؟ وهلم جراً.
والحق أن نزول الله – تعالى – الذي أخبر به الصادق المصدوق ليس كنزول المخلوق كما يتخيله الجهال بالله – تعالى – وأوصافه، بل يمكن أن يكون نزوله في وقت واحد لخلق كثير، ويمكن أن يكون قدره لبعض الناس أكثر، ولا يمتنع على الله – تعالى – أن يقرب إلى بعض عباده دون بعض، فيقرب إلى داعيه دون من لم يدعه.
وهذا كما أنه تعالى يحاسب عباده يوم القيامة كلهم في ساعة واحدة، وكل واحد منهم يخلو به، فيقرره بذنوبه، وذلك المحاسب لا يرى أنه يحاسب غيره.
(١) رد عثمان بن سعيد على بشر المريسي (ص٣٧٨) ، مجموع عقائد السلف.