للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء في الرواية التي ذكرها في الرقاق بعد قوله: ((كره الله لقاءه)) قالت عائشة، أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت؟ ((قال: ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه، وأن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله، وكره الله لقاءه)) .

قال الزرقاني: ((عند حضور أجله إن عاين ما يحب أحب لقاء الله، وإن عاين ما يكره لم يحب الخروج من الدنيا، هذا معناه كما تشهد به الآثار المرفوعة، وذلك حين لا تقبل التوبة، وليس المراد الموت؛ لأنه لا يخلو من كراهته أحد، ولكن المكروه من ذلك إيثار الدنيا، وكراهة أن يصير إلى الله – تعالى –، قاله ابن عبد البر)) (١) .

والمقصود من الحديث الجملة المذكورة هنا، إذ فيها قول الله – تعالى – إنه يحب لقاء بعض عباده، ويكره لقاء بعضهم.

فالمتقي يحب لقاء ربه عند انقطاع عمله، وانقضاء أجله، فيحب ربه لقاءه ليكرمه، ويجزيه فوق ما يتصوره، فضلاً من ربه تعالى.

وأما الفاجر فإنه عند معاينة رسل الله إليه، وإخبارهم إياه بعذاب الله، يكره عند ذلك ملاقاة الله، فيكره الله لقاءه، فأخبر تعالى عباده بهذا قولاً منه على لسان رسوله، وقوله غير خلقه، وأقواله تعالى غير محصورة في كتبه.

وتقدم أن لقاء الله يتضمن معاينته ورؤيته، وكل أحد من عباد الله سوف يلاقي ربه، فيسأله عن عمله، كما في حديث عدي المتقدم، والله أعلم.

*****


(١) ((شرح الموطأ للزرقاني)) (٢/٨٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>