من قوله:((فعلت ذلك من خشيتك وأنت أعلم)) ، ومن قوله:((فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني)) ... الخ.
وفي الرواية التي في أحاديث الأنبياء:((وكان رجل يسرف على نفسه)) (١) .
قوله:((إذا مات فحرقوه)) عدل عن خطاب المتكلم إلى الغائب، كراهية إسناد هذه الأفعال المخبر عنها، وهذا أسلوب معروف في كلام العرب، إذا كرهوا العمل المخبر عنه، ذكروه بلفظ خطاب الغيبة كراهة إضافته إلى المتكلم لفظاً.
وقد جاء على الأصل في الرواية المذكورة في أحاديث بني إسرائيل، من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة، وحذيفة، كلهم بلفظ المتكلم:((إذا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني)) .
قوله:((واذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر)) أي: فرقوا أجزاءه المسحوقة في الريح، التي تبعثر ذراته بعد التحريق والطحن، إمعاناً في تفرقة أجزائه، حتى لا تجتمع، ظاناً أن الله لا يقدر على جمعه وبعثه، ولهذا قال:((فو الله لئن قدر الله عليه)) أي: قدر على جمعي، وبعثني حياً بعد الموت، وفي الرواية المشار إليها:((فو الله لئن قدر الله عليَّ)) .
وهذا هو ظاهر الروايات جميعها، بل هو صريحها، وما ذكر من التمحلات والتكلفات من كثير من الشراح، لا داعي لها، وهي خلاف صريح اللفظ كقولهم:((قدر)) من التقدير، وهو التضييق، أو قدر على العذاب، ونحو ذلك مما يجزم المتتبع لروايات الحديث والناظر في السياق أنه خطأ محض.
فهو شاك في قدرة الله على جمعه، وإحيائه بعد ذلك، ومع هذا عذره