في الموقف، فإن فيه محاوره بين رب العالمين – جل وعلا -، وبين عبده ورسوله محمد – صلى الله عليه وسلم -.
وهو واضح الدلالة على المراد، من أنه تعالى يتكلم ويخاطب من يشاء من عباده يوم القيامة، فإذا ثبت ذلك دل على أن كلامه بمشيئته، وأنه متى شاء تكلم، يوم القيامة، وقبلها.
وهذا أمر من ضروريات دين الإسلام، لا ينكره إلا من هو دخيل فيه، أو زنديق قد تلبس بثوب الإسلام لأجل النيل منه، والإجهاز عليه إذا واتته الفرصة، أو ضال لعبت به الأهواء، واجتالته شياطين الإنس والجن بعيداً عن الحق والهدى.
ولا يضر ما في هذه الخطابات الكريمة من الأفعال المبنية للمجهول كقوله:((فأستأذن فيؤذن لي)) ، وقوله:((فأخر له ساجداً، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك)) لأنه قد علم أنه لا يقول ذلك إلا رب العالمين، وليس لمخلوق في ذلك الموقف العظيم أن يأمر، وينهي، ويتصرف في الخلق، بإدخال بعض العباد النار، وإخراج البعض منها، وإنما الفاعل لذلك كله والآمر به هو رب العباد – عز وجل -.
وهو الذي يقول لرسوله:((يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع)) ، وهو – تعالى – القائل له:((انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان)) .
ودل صراحة على تفاوت هؤلاء المخرجين من النار في الإيمان، وقد تكاثرت النصوص على ذلك.
كما دل على أن من معه أصل الإيمان، ولم يخرج منه بمكفر، أنه لا يخلد في النار، وإن عظمت ذنوبه، وإن ضعف إيمانه.
قال القرطبي: ((المراد بالإيمان هنا: أعمال الإيمان التي هي أعمال الجوارح،