للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زمن إذا أعطى استرد عطاءه ... وإذا استقام بدا له فتحرفا

ما قام خيرك يا زمان بشره ... أولى بنا ما قل منك وما كفى

وقال عبد الرحيم الاسطنبولي:

أرى الدهر يسعف جهاله ... وأوفر حظ به الجاهل

ومثل هذا كثير جداً في أشعار أهل الأدب قديماً وحديثاً، وهو لا يجوز؛ لما دل عليه هذا الحديث الذي نحن بصدد شرحه، وللأحاديث الأخرى الصحيحة الصريحة في النهي عن ذلك، كحديث أبي هريرة الآتي: يقول الله تعالى: "يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، اقلب ليله ونهاره" (١) .

يعني: أن الدهر-الذي هو الليل والنهار- مخلوق لله مسخر، وهو مؤتمر بأمر الله –تعالى- مطيع له، فإذا سبه الساب، فإن السب يعود إلى فاعل الدهر وخالقه.

ومعلوم أن توجيه الخطاب والملام إلى الأيام والليالي لأنها ظرف لوقوع الحوادث، وما يؤلم، فوجه اللوم إلى الدهر لذلك، وإلا فغالب هؤلاء، إن لم يكن كلهم، لا يعتقدون أن الليل والنهار هو المصرف المدبر، والموجد لما يقع فيه، فرجع اللوم في الحقيقة إلى تلك الحوادث الواقعة في الليل والنهار، فبذلك يعلم أن اللوم والسب يعود إلى مقدرها وموجدها، وهو الله-تعالى- خالق كل شيء، فليحذر المسلم من مجاراة هؤلاء الذين سلكوا طريق أهل الجهل من الكفار، وغيرهم، في القدح في أفعال الله –تعالى-، وسخط أقداره وتدبيراته.

قال ابن الجوزي –رحمه الله تعالى-: "ما رأت عيني مصيبة نزلت بالخلق أعظم من سبهم للزمان، وعيبهم للدهر، وقد كان هذا في الجاهلية، ثم نهى رسول الله –صلى الله عليه وسلم – عنه، فقال: "لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر" (٢) .


(١) سيأتي هذا الباب في قول الله "يريدون أن يبدلوا كلام الله".
(٢) رواه مسلم في الألفاظ من الأدب وغيره (٤/١٧٦٢) رقم الحديث (٢٢٤٦) وله عدة طرق عنده.

<<  <  ج: ص:  >  >>