ولا ينفى تقدير الله – تعالى – لأفعال العباد في الأزل، وخلقها، كما تقوله المعتزلة، بل الحق إثبات قدرة العبد، وأنه يفعل باختياره، وإرادته، لا أحد يجبره على الفعل، والله – جل وعلا – خلقه وخلق أفعاله، وقدر عليه كل ما يجري عليه قبل إيجاده، وكتب ذلك، وعلمه تعالى محيط بكل شيء، ونفس فعل العبد، وإن كان الله خالقه، فالعبد هو الفاعل لفعله حقيقة، فهو المتحرك بالأفعال، باختياره، وبه قامت أفعاله، ومنه صدرت، والله خالقه، وخالق أفعاله.
قال الحافظ:((غرضه هنا الرد على من لم يفرق بين التلاوة والمتلو، ولذلك أتبع هذا الباب بالتراجم المتعلقة بذلك، مثل باب:{لاَ تُحَرِّك بِهِ لِسَانَكَ لِتَعجَلَ بِهِ} ، وباب {وَأَسِرُّواْ قَولَكُم أَوِ اجهَرُواْ بَهِ} وغيرهما.
وهذه المسألة هي المشهورة بمسألة اللفظ، ويقال لأصحابها: اللفظية.
وقد ظن بعضهم أن البخاري خالف أحمد فيها، وليس كذلك، بل من تأمل كلامه لم يجد فيه خلافاً معنوياً.
لكن العالم من شأنه إذ ابتلي في رد بدعة يكون أكثر كلامه في ردها، دون ما يقابلها.
فلما ابتلي أحمد بمن يقول: القرآن مخلوق، كان أكثر كلامه في الرد عليهم حتى بالغ، فأنكر على من يقف، ولا يقول: مخلوق، ولا غير مخلوق، وعلى من قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ لئلا يتذرع بذلك من يقول: القرآن بلفظي مخلوق، مع أن الفرق بينهما واضح لا يخفى عليه، لكنه قد يخفى على البعض (١) .
(١) قوله: ((حتى بالغ فأنكر على من يقف)) إلى آخر كلامه عن أحمد، كلام غير سديد، بل إنكار أحمد رحمه الله ذلك؛ لأن الواقف لم يفرق بين الحق والباطل، والواجب أن يعرف الحق ويقول به، ولا يقف متردداً، لأن وقوفه يوهم باطلاً. وكذلك قوله: لفظي بالقرآن مخلوق، أو غير مخلوق، يوهم باطلاً؛ لأنه قد يراد باللفظ: الملفوظ، وهو القرآن، وإذا قال غير مخلوق: يدخل فيه فعل القارئ، من حركات لسانه، وصوته، وفعل القارئ مخلوق، فهذا هو مراد أحمد رحمه الله، ولدقته قال البخاري رحمه الله: إنهم لم يفهموا كلام أحمد، ولذلك أنكره ابن قتيبة.