للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متى شاء)) (١) .

والظاهر أن غرضه في هذا الباب قريب من الذي قبله، وهو بيان أن أعمال العباد واقعة بفعلهم، وأن الكلام يكون صفة لمن تكلم به، فالأعضاء حين تشهد على صاحبها تنطق بكلام لها حقيقة، مضاف إليها على الحقيقة، فهو صفة لها؛ لأنه قام بها، فكذلك كل متكلم، فكلامه فعله ووصفه.

وهذا يدل على أن المتكلم بكلام لغيره لا يكون ذلك الكلام مضافاً إليه وصفاًً له، بل هو ناقل أو مبلغ، وأما حركة لسانه وشفتيه، وتصويته به، فهي أفعاله، والمصوت به الذي تحرك اللسان والشفتان به هو كلام ذلك الغير، كما تقدم.

وأعمال العباد كلها مخلوقة محدثة.

قال البخاري – رحمه الله -: ((وكل من لم يعرف الله بكلامه، أنه غير مخلوق، فإنه يعلم، ويرد جهله إلى الكتاب والسنة، فمن أبى بعد العلم به كان معانداً؛ لقوله: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (٢) .

فأما ما احتج به الفريقان لمذهب أحمد (٣) ، ويدعيه كل لنفسه، فليس بثابت كثير من أخبارهم، وربما لم يفهموا دقة مذهبه، بل المعروف عن أحمد وأهل العلم أن كلام الله غير مخلوق، وما سواه مخلوق، وأنهم كرهوا البحث والتنقيب عن الأشياء الغامضة، وتجنبوا أهل الكلام، والخوض،


(١) ((الفتح)) (١٣/٤٩٦) .
(٢) الآية ١١٥ من سورة النساء.
(٣) يعني: الذين يقولون: ألفاظنا وتلاوتنا للقرآن مخلوقة، فإن حقيقة قول هؤلاء أن القرآن مخلوق، والفريق الثاني: الذين يقولون: تلاوتنا للقرآن غير مخلوقة، وألفاظنا به غير مخلوقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>