للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

((كيف يرفع العلم وقد ثبت ووعته القلوب؟)) (١) .

فهذا الذي ذكره يبين ما أراده هنا، وهو ظاهر من الآية التي ترجم بها، عند التأمل؛ لأنها في سياق ما ذكره الله عن أهل النار، من كلام أعضائهم، قال الله – تعالى -: {وَيَومَ يُحشَرُ أَعدَاءُ اللهِ إلىَ النَّارِ فَهُم يُوزَعُونَ {١٩} حَتىَ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيِهِم سَمعُهُم وأَبصَارُهُم وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعمَلُونَ {٢٠} وَقَالُواْ لِجُلُودِهِم لِمَ شَهِدتُم عَلينَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الذِي أنطَقَ كُلَّ شيءٍ وَهُوَ خَلَقَكُم أَوَلَ مَرةٍ وَإليهِ تُرجَعُونَ {٢١} وَمَا كُنتُم تَستَرُونَ} الآية.

قال ابن كثير: ((أي: تقول لهم الأعضاء والجلود، حين يلومونها على الشهادة عليهم: ما كنتم تكتمون منا الذي كنتم تفعلون، بل كنتم تجاهرون الله بالكفر، والمعاصي، ولا تبالون منه في زعمكم لأنكم كنتم لا تعتقدون أنه يعلم جميع أفعالكم)) (٢) .

وبهذا يتبين أن هذا قول الأعضاء ذكره الله عنها على ما سيقع يوم القيامة.

ولهذا لا يقال: إن هذا ليس كلام الله، بل هو كلام الأعضاء حكاه الله عنها؛ لأن الأعضاء لم تتكلم إلى الآن، وإنما ستتكلم يوم القيامة، والله – عز وجل – علم ما سيكون وما تتكلم به، فذكره لعباده ليحذروا الوقوع فيما يوجب شهادة الأعضاء عليهم، فهو كلام الله تكلم به، وأخبر به عما سيقع، وحتى الكلام الذي وقع وذكره تعالى عمن قاله، فإن ذلك يكون كلامه، كما حكى عن الأنبياء وقومهم وغيره.

والمقصود أن الاستدلال بالآية المذكورة على أن أعمال الإنسان وأقواله – ومن ذلك قول الأعضاء – تقع منهم على الحقيقة، وتقوم بهم، وعليها


(١) انظر كتاب ((خلق أفعال العباد)) (٧٠-١٠٥) تحقيق بدر.
(٢) ((تفسير ابن كثير)) (٤/٩٦) طبعة الحلبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>