للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء الأمر به كما رواه المؤلف – رحمه الله – في ((خلق أفعال العباد)) ورواه غيره، قال: ((حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي عن الأعمش، سمع طلحة، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((زينوا القرآن بأصواتكم)) (١)

وتفسير التغني بالجهر لا ينافي ما ذكرته؛ لأن السلف يفسرون الكلام ببعض ما دل عليه، ومقصودهم بهذا التفسير أن لا يدخل فيه ما يشبه الغناء، فإنه مكروه كراهة شديدة، أو محرم.

قال الكرماني: ((لم يتغن به)) أي: يجهر بقراءة القرآن، وقيل: يستغني به.

وأشار بالترجمة إلى أن تلاوة الناس تتصف بالجهر، والإسرار، وذلك يدل على أنها مخلوقة لله – تعالى -، وكذا قوله: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} دليل على أن قولهم مخلوق، وكذا قوله: {وَلاَ تَجهَر بِصَلاَتِكَ} أي: بقراءتك، يدل على أنها فعله، وكذا قوله: ((من لم يتغن بالقرآن)) أضاف الفعل إليه)) (٢) .

وقال أيضا: ((يجهر به)) يتغنى، ومعناه: يجهر به بتحسين الصوت، وتخزينه وترقيقه، ويستحب ذلك ما لم تخرجه الألحان عن حد القراءة، فإن أفرط حتى زاد حرفا، أو أخفى حرفا، فهو حرام)) (٣) .

وقال الخطابي: ((إن العرب كانت تولع بالغناء والنشيد في أكثر أحوالها، فلما نزل القرآن أحب أن يكون هجيراهم مكان الغناء، فقال: ليس منا من لم يتغن بالقرآن)) (٤) .

والشاهد من الحديث: أن التغني والجهر فعل العبد، وهو مخلوق.

وأما المتغنى به المجهور به، فهو كلام الله – تعالى -.

فتبين بذلك الفرق بين أفعال العباد، وأوصافهم، وأوصاف أعمالهم، وبين فعل الله، ووصفه، ومرادنا بفعله الذي هو وصفه، لا مفعوله كما هو اصطلاح الأشاعرة.


(١) (ص٧٨، ٨٢، ٨٣) من طرق عدة، وأحمد (٤/٢٨٣) ، وابن أبي شيبة (٢/٢٥١، ٢٥٢) .
(٢) ((شرح الكرماني)) (٢٥/٢١٩) .
(٣) المصدر السابق (١٩/٣٠) .
(٤) المصدر السابق (١٩/٣١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>