للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وأما دارس الحديث فلا ينتظره شىءٌ. وتستطيع أن تدرك هذا الأمر إذا نظرت إلى غالب المدارس التى بُنيتْ فى بلاد المسلمين قديما مثل مدرسة نظام الملك فى بغداد، فتجد عنايتهم كانت بعلم الكلام والفقه وأصوله. وأنت ترى هذا الإهمال لعلم الحديث واضحا جليا فى مناهج الأزهر، وهو امتداد للمدارس القديمة التى أشرتُ إليها، فلم نر فى عصرنا ولا قبله رجلا أزهريا نبغ فى علوم الحديث إلا الشيخ أبا الأشبال أحمد شاكر رحمه الله، ولم يكن نبوغُهُ بسبب دراسته فى الأزهر، بل بسبب توجُّهه الشخصى إلى هذا العلم.

وفى السنوات العشر الأخيرة حدثت نهضةٌ حديثيةٌ، من أهم سماتها طبع مئات الكتب المسندة والأجزاء الحديثية، بحيث يحق لى أن أزعم أنه طبع فى هذه السنوات العشر ما لم يطبع مثله فى مائة عامٍ مضت، وصحب ذلك نهضة أخرى فى تقريب هذه الكتب وهى عمل موسوعات لأطراف الأحاديث، فصار هذا العلم قريب المنال، سهل المأخذ لأى طالب حتى لو كان بليداً غبىًّ الذهن، أبعد الخلق من هذا العلم ‍‍‍‍‍‍‍!

وكان الأمر قبْل ثلاثين سنةً مختلفًا تمام الإختلاف عنه اليوم، وخذ مثلاً: فمسند الإمام أحمد رحمه الله مطبوعٌ فى ستة أجزاء كبارٍ، وبخطٍ دقيقٍ، وهو مرتبٌ على مسانيد الصحابة وليس على الأبواب، فلو أراد أفحلُ محدِّثٍ فى الدنيا - ولا يعتمد على حفظه - أن يتأكد من عزو حديث مَّا إلى " المسند " فإن هذا يكلفُهُ مراجعة مسند الصحابىِّ راوى الحديث وقد يكون من المكثرين مثلَ أبى هريرة وابن عمر وعائشة وغيرهم، فكم من الوقت ينفقُهُ ليتأكد من عزو حديثٍ واحدٍ إلى كتابٍ واحدٍ؟ وقد لا يظفرُ بطِلْبتَه بعد هذا المجهود ويكون الإمام أدرج الحديث فى مسند صحابىِّ آخر لغرضٍ طرأ

<<  <  ج: ص:  >  >>