للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعادات وأخلاقًا كثيرة، ومن هذه المكتسبات ما هو حق، ومنها ما هو باطل، ومنها ما هو صالح، ومنها ما هو فاسد، ومنها ما هو خير ومنها ما هو شر، وبمقتضى نشوئه في هذه البيئة يتكون في نفسه إلف لها مهما كان وضعها؛ إذ يعتبر نفسه جزءًا من هذه البيئة الاجتماعية يتكون لديه بدافع الأنانية الذاتية خلق التعصب لأهله وعشيرته وقومه، وسائر من هم في بيئته، وجميع ما هو في بيئته من مفاهيم وعادات وأخلاق؛ لأنه بتعصبه هذا يحاول أن يدافع عن كيانه الذاتي من وجهة نظره المنحرفة عن منهج التفكير السليم، دون أن يسمح لعقله المتجرد عن مؤثرات البيئة أن يبحث ويناقش، ويميز بين الحق والباطل، والصالح والفاسد، والخير والشر.

وقد يفتتن بعض الناشئين بالمظاهر المادية المغرية التي يأتي بها الغزاة الأقوياء، فيتعلقون بهم، مقلدين لهم، في كل ما يجدونهم عليه، ولو كان معظمه ضلالة وشرًّا.

فإذا نوقش المقلدون تقليدًا أعمى لتعديل اتجاههم:

فإن كانوا من المبهورين بالغزاة قالوا: إننا نجاري الركب الحضاري المتقدم. ولدى التبصر في حقيقة أحوالهم نجدهم يتساقطون وهم عمي في شباك الصيد التي وضعها عدوهم وعدو أمتهم وحضارتهم في طريقهم، ليزيد من تخلفهم وتخلف أمتهم، ولكن في لباس تقدمي، ثم ليستخدمهم أجراء عنده، ويضمهم إلى جنوده المغفلين. وإن كانوا من المقلدين تعصبًا لما كان عليه آباؤهم وقومهم قالوا: إنا وجدنا آباءنا على طريقة وإنا على آثارهم مقتدون.

وهذا النوع الأخير من التقليد هو الذي كان عليه الجاهليون لما أشرق عليهم الإسلام بنوره المبين، وهنا وجدنا الإسلام قد وقف صارخًا بشدة وعنف وتبكيت في وجه هؤلاء، قال الله تعالى في سورة "المائدة: ٥ مصحف/ ١١٢ نزول": {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} .

وقال الله تعالى في سورة "البقرة: ٢ مصحف/ ٨٧ نزول":

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} .

أي: فكيف يقتفون آثار آبائهم دون تبصر بما كانوا عليه؟ أو ليس من المحتمل أن آباءهم كانوا لا يعملون شيئًا، ولا يعقلون شيئًا، ولا يهتدون؟

وهل يجوز للعاقل الذي يملك أدوات المعرفة أن يتبع الجاهلين الضالين.

<<  <   >  >>