[المقولة الرابعة: الفلسفة الإسلامية بالنسبة إلى الوسائل الكونية]
تقوم الفلسفة الإسلامية بالنسبة إلى الوسائل الكونية على أساس أن جميع ما خلق الله في الوجود من وسائل سلط أيدي عباده عليها لا توصف لذاتها بأنها خير أو بأنها شر، وإنما هي وسائل يمكن أن تستعمل في الخير، ويمكن أن تستعمل في الشر، وقد وضعها الله تحت أيدي الناس ليبتليهم فيها، هل يستعملونها في الخير أم يستعملونها في الشر؟
فالاستعمال الإنساني هو الذي وجهها لجهة الخير أو لجهة الشر.
وتمشيًا مع الفلسفة الإسلامية لا نستطيع أن نطلق على أي شيء مما خلقه الله أو ألهم الإنسان ابتكاره وصنعه أنه شر لذاته أو أنه خير لذاته، وإنما هو وسيلة يمكن أن تستعمل في الخير، ويمكن أن تستعمل في الشر، وإرادة الإنسان المقرونة بعمله هي التي تحدد ذلك، وفي هذا التسليط الرباني لها على الأشياء يتم ابتلاؤها وامتحانها، وفق حكمة الله في الابتلاء، الذي من أجله خلق الموت والحياة.
فأدوات السلم كلها وأدوات الحرب التي توصل الإنسان إلى معرفتها، والتي سيهتدي إليها في المستقبل، لا تغدو أنها وسائل قابلة لأن تستعمل في الخير، ولأن تستعمل في الشر.
لذلك فإن المسلم لا يتوجس خيفة من أية وسيلة حديثة مبتكرة؛ لأن لديه الأسس الإسلامية العامة التي تهديه إلى طريقة استعمالها في الخير، وتحذره من استعمالها في الشر.
والمسلم البصير بإسلامه ينظر إلى السم القاتل على أنه مادة خلقها الله في كونه ليستعملها الإنسان فيما ينفع ولا يضر، فإذا أحسن استعمالها جلبت له خيرًا، فكم من أمراض فتاكة لا يشفي منها إلا السم، وفي مقابل ذلك ينظر إلى أطيب الأغذية على أنها مادة خلقها الله في كونه كذلك، ليستعملها الإنسان فيما ينفع ولا يضر، فإذا أساء استعمالها جلبت له شرًّا، فكم من أمراض فتاكة جلبتها