[شرح الأمر الأول: التكليف ضمن حدود الطاقة الإنسانية]
تظهر لنا الواقعية في التكليف ضمن حدود الطاقة الإنسانية جلية واضحة إذا تدبرنا طائفة من النصوص الإسلامية، التي تناولت بيان مفاهيم التكليف الرباني للناس، أو بيان أسسه والحكمة منه.
كما تظهر لنا واضحة حينما نمر بشروط التكليف التي ينص عليها الفقهاء في كل باب من أبواب الفقه الإسلامي، أخذًا مما دلت عليه الأصول العامة للشريعة الإسلامية.
وتظهر لنا أيضًا حينما نلاحظ أن مسئولية الفرد ومسئولية الجماعة في الإسلام ترفعان بمقدار ارتفاع نسبة الخصائص والهبات، وتنخفضان بمقدار انخفاضها، فمسئولية العاجز والضعيف دون مسئولية القوي الصحيح، ومسئولية كل منهما تتناسب بشكل مطرد منعكس مع ما لدى كل منهما من قدرة واستطاعة، ومسئولية البليد الغبي دون مسئولية ذي الهمة الذكي، فمسئولية كل منهما تتناسب بشكل مطرد منعكس مع ما لدى كل منهما من استطاعة لتفهم الأمور وحل المعضلات، ومسئولية الأعمى والأعرج دون مسئولية البصير والسليم، وهكذا.
وما هذا التفاوت في المسئوليات إلا من أثر التزام أسس الحضارة الإسلامية جانب الواقعية في التكاليف بالأعمال وفي تحديد مناهج الحياة للناس.
ولقد وضع الله جل وعلا بين يدي المسلمين القواعد العامة للواقعية في التكاليف بالأعمال، وفي تحديد مناهج الحياة للناس، حتى يهتدوا بهديها، ويتخذوها أساسًا لكل ما يستنبطونه من أحكام تشريعية، ومناهج عملية.
قال الله تعالى في سورة "البقرة: ٢ مصحف/ ٨٧ نزول":
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} .
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
ففي قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} .
بيان ليس فوقه بيان يدل على أن التكاليف في الشريعة الإسلامية لا تزيد