[الفصل الثالث: العالمية والشمول في رسالة الحضارة الإسلامية]
[المقولة الأولى: مقدمات عامة]
أولًا: واقع حال معظم الحضارات البشرية
تقف معظم الحضارات البشرية ضمن حدود ضيقة فكرية ونفسية ومادية.
أ- فنلاحظ أن أسسها الفكرية غير شاملة لكل ما في الحياة من مجالات التقدم والارتقاء.
فإذا اهتمت بالجانب الوحداني النفسي أهملت المجالات الأخرى العلمية والجسدية، وميادين العمل والإنتاج والابتكار والتحسين.
وإذا اهتمت بالمجال المادي أهملت المجالات الأخرى الخلقية والسلوكية، ومجالات السمو النفسي الوجداني.
وهكذا حالها بين اهتمام في جهة، وتقصير في أخرى.
ب- ونلاحظ أيضًا أن أسسها النفسية غير شاملة، فهي في معظم أحوالها سجينة الدوائر الأنانية، العنصرية، أو القومية، أو الطبقية، أو غيرها، فلا هي منطلقة وراء حدود دوائرها الأنانية إلى الشمول الإنساني بوجه عام، ولا هي مفتحة أبوابها لاستقبال الواردات الكريمات، المشبعات بإرادة الخير للإنسانية جمعاء.
ج- ونلاحظ أيضًا أن ميادين نشاطها محدودة لا تتجاوز رقعات من الأرض متميزة الحدود، وإن تسنى لها أن تمد نشاطها إلى غيرها، ومحدودة في طائقة من المجالات دون غيرها.
وهكذا نلاحظ أن الأسس الفكرية، والنفسية، والمادية، لمعظم هذه الحضارت البشرية قاصرة، تدور ضمن حدود فكرية ونفسية ومادية غير شاملة.