الحمد لله، والصلاة والسلام على رسله منشئي الحضارات الإنسانية الراقية، وفاتحي سبل التقدم والرقي الإنسانيين، وأتم الصلاة والتسليم على من كملت ببعثته الأسس الحضارية محمد النبي العربي الذي اصطفاه الله لتبليغ رسالته للناس جميعًا، فأدى الأمانة، وأخلص النصيحة، ووضع الإنسانية بتعاليمه وتربيته في طريق المجد الصاعد إلى قمم الحضارة المثلى الفكرية والروحية والنفسية والمادية، الفردية والاجتماعية، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان من الذين أسهموا في بناء حضارة المسلمين، مستهدين بهدي كتاب الله، وسنة رسوله، وبعد فقد كلفت تدريس مادة "الحضارة الإسلامية" في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة، بدءًا من العام الدارسي ١٣٨٩-١٣٩٠ للهجرة النبوية، فأمعنت النظر في هذه الحضارة المجيدة، فوجدت أن البحث فيها لا بد أن يتناول عدة جوانب تقع في مخطط كلي عام ذي أربع شعب:
الشعبة الأولى: البناء الفكري لهذه الحضارة، وهو يشمل الأسس الفكرية، والكليات الكبرى التي تقوم عليها هذه الحضارة.
الشعبة الثانية: وسائل بناء هذه الحضارة بناءً واقعيًّا.
الشعبة الثالثة: أثر البناء الفكري للحضارة الإسلامية، وأثر وسائلها في المسلمين، ونماذج وأمثلة مما أنجزه المسلمون من أعمال حضارية، دفعتهم إليها أسس الحضارة الإسلامية.
الشعبة الرابعة: أثر الحضارة الإسلامية في الأمم الأخرى التي احتكت بالمسلمين، غالبة أو مغلوبة.