[الفصل الرابع: تأسيس علمي النحو والصرف وتدوين المعجمات العربية]
١- دوافع التأسيس والتدوين:
لما بدأت بوادر اللحن تدب إلى ألسنة بعض أبناء العرب؛ بسبب كثرة اختلاطهم وامتزاجهم بالأعاجم الذين دخلوا في الإسلام، نتيجة الدعوة الإسلامية التي واكبت الفتوح، هب نوابغ من العلماء ذوي العقل والرشد من المسلمين لضبط اللغة العربية في متن مفرداتها، وقواعد تصريفها وما تدل عليه اختلاف الصيغ من المعاني، ولضبط حركات أواخر كلماتها باختلاف أحوال مواقعها من الجملة العربية.
وكان الهدف من هذا العمل حفظ واقع هذه اللغة الرفيعة بين اللغات، بصورتها الكاملة التي كانت عليه إبان المدة التاريخية التي أُنزل فيها القرآن، وعاش فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين للناس ما نُزِّل إليهم، وغرضهم من هذا الحفظ حفظ القرآن كما أنزل، وحفظ السنة المبينة له، وأن يكون ضبط أصولها وقوانينها وسيلة لفهم معاني القرآن والسنة فهمًا صحيحًا، وإدراك دلالات نصوصهما إدراكًا دقيقًا سليمًا مهما تعاقبت العصور.
وقد ذكر المؤرخون عدة روايات تاريخية حول دوافع هذا التأسيس:
الرواية الأولى: جاء فيها أن "عمر بن الخطاب" مر على قوم يسيئون الرمي، فقرعهم على ذلك، فقالوا له:"نحن قوم متعلمين" فساءه اللحن الذي وقع في كلامهم؛ إذ لم يقولوا: نحن قوم متعلمون، أكثر مما ساءه خطؤهم في الرمي، وأعرض مغضبًا وقال:"ولله لخطؤكم في لسانكم أشد على من خطئكم في رميكم".
الرواية الثانية: أرسل "أبو موسى الأشعري" وهو والي البصرة إلى الخليفة عمر بن الخطاب كتابًا ذكر فيه كاتبه: "من أبو موسى الأشعري" فلحن في هذا، وكان ينبغي أن يكتب:"من أبي موسى".