الفصل الخامس: تأسيس علم الفقه الإسلامي، وعلم أصوله، وتدوينهما
[المقولة الأولى: تأسيس علم الفقه الإسلامي وتدوينه]
١- مقدمة:
نشأ الفقه الإسلامي، وهو "العلم بالأحكام الشرعية العملية المستمدة من أدلتها التفصيلية" نشأة إسلامية فذة، بدءًا بعصر الرسول صلى الله عليه وسلم، فعصر الخلفاء الراشدين، فمن بعدهم، حتى ظهور الأئمة المجتهدين الذين قيض الله لهم من تلاميذهم من دون آراءهم الفقهية، ومذاهبهم ومن توسعوا في الاجتهاد ضمن أصول ومناهج الأئمة للتوصل إلى استنباط حكم شرعي لكل ما يتطلب حكمًا شرعيًّا من سلوك الناس الإرادي في الحياة.
حتى كانت للأمة الإسلامية ثروة فقهية عظيمة، في مدونات جليلات مدهشات، منها الموسع المفصل المبسوط والمقرون بالأدلة، ومنها المتوسط، ومنها الموجز المختصر، ومنها الشروح والتعليقات والتقريرات والحواشي، ومنها الجامع لآراء المذاهب ومناقشاتهم وجدلياتهم وأدلتهم في آرائهم الفقهية المختلفة.
ولم يؤسس المسلمون هذا العلم العظيم، المبين لأحكام السلوك الإنساني الإرادي، مستفيدين ولا معتمدين على أحد ممن سبقهم من الأمم، بل كانت عمدتهم فيه استنباط الأحكام من مصادر التشريع الإسلامي.
ومن المعلوم المتداول عند العلماء بالقوانين الواضعية في العالم، أن الفقه الإسلامي قد كان هو القاعدة المنهجية التي اعتمد عليها واستفاد منها المقننون الفرنسيون، مع العلم بأن فرنسا هي أم القانون المدني الغربي، فقد جاءت لجان التقنين الفرنسي إلى بعض عواصم العالم الإسلامي، لدراسة الفقه الإسلامي والاستفادة من طرائق الفقهاء المسلمين في النظر إلى القضايا الإنسانية، وعلاقات