[الفصل الثاني: أثر الأسس الفكرية والنفسية في بناء الحضارات]
لكل حضارة من الحضارات الإنسانية أسس فكرية ونفسية كانت لها هي القوة الدافعة، والموجهة، والمحددة لخط سيرها.
ولذلك لا بد أن تكون المظاهر الحضارية لكل أمة نتائج ملائمة لمجموعة الأفكار والعقائد والتقاليد والعوامل النفسية المهيمنة عليها، يشهد لهذه الحقيقة الأمثلة التالية.
أولًا: كانت الأسس الفكرية عند اليونان الإغريق قائمة على تمجيد العقل. ولذلك كانت مظاهر حضارتهم ذات صلة وثيقة بهذه الأسس؛ إذ أثمرت لهم خلال قرون علومًا فلسفية ورياضية ونفسية وطبية، وفنونًا جمالية مختلفة.
ولما كانت أسسهم الفكرية غير شاملة لحاجات الحياة كلها لم تستطع حضارتهم أن تعطي الصورة المثلى للحضارة الإنسانية.
ثانيًا: وكانت الأسس الفكرية عند الرومان قائمة على تمجيد القوة، والرغبة ببسط السلطان الروماني على الشعوب، لذلك كانت مظاهر حضارتهم ذات صلة وثيقة بهذه الأسس؛ إذ أثمرت لهم خلال قرون إعداد أجساد قوية، وجيوش متقنة البناء، حسنة الاستعدادات والتدريبات الحربية، وأورثتهم هذه القوة سلطانًا ممتدًا في الأرض على شعوب كثيرة، غلبوها واستعمروها، واستغلوا خيراتها، كما أثمرت لهم أيضًا اشتراع مجموعة من القوانين والتنظيمات المدنية والعسكرية.