ولما كانت أسسهم الفكرية والنفسية غير شاملة لحاجات الحياة كلها لم تستطع حضارتهم أن تعطي الصورة المثلى للحضارة الإنسانية.
ثالثًا: وكانت الأسس الفكرية عند الفرس قائمة على تمجيد اللذة الجسدية، والسلطان، والقوة الحربية، ولذلك كانت مظاهر حضارتهم ذات صلة وثيقة بهذه الأسس؛ إذ أثمرت لهم خلال قرون قصورًا فخمة، ومجالات كثيرة للترف المفرط، وجيوشًا حربية ذات بأس، بسطت سلطانهم على شعوب كثيرة غلبوها واستعمروها، واستغلوا خيراتها.
ولما كانت أسسهم الفكرية والنفسية غير شاملة لحاجات الحياة كلها، لم تستطع حضارتهم أن تغطي الصورة المثلى للحضارة الإنسانية.
رابعًا: وكانت الأسس الفكرية عند الهنود قائمة على تمجيد القوى الروحية وتنميتها بقهر مطالب الجسد وكبت غرائزه، ولذلك كانت مظاهر حضارتهم ذات صلة وثيقة بهذه الأسس؛ إذ أثمرت لهم خلال قرون مجموعة كبيرة من التعاليم الروحية التي أخذت بتطاول الأمد صبغة ملل ونحل وديانات، ووجهتهم للتعلق بالعلوم الروحانية المختلفة، كالسحر، وفنون الحيلة الخادعة للحواس، التي تعتمد على التلاعب بها، والتأثير على النفوس من ورائها، ومنحتهم مهارات مختلفة في التأثير على الأحياء الشرسة، فكثر فيهم حواة الثعابين والحيات والعقارب، ونحو ذلك من الهوام السامة المؤذية.
ولما كانت أسسهم الفكرية والنفسية غير شاملة لحاجات الحياة كلها لم تستطع حضارتهم أن تُعطي الصورة المثلى للحضارة الإنسانية.
خامسًا: أما حضارة القرون الحديثة التي بدأت منذ أواخر القرن الثامن عشر للميلاد واستمرت في نموها المادي تمتد وتنتشر من مهدها في أوروبا إلى كثير من بلاد العالم فأسسها قائمة على تمجيد العلوم المادية، والاستفادة من جميع الطاقات الكونية الكمينة والظاهرة لخدمة الجسد، ومنحه وافر الرفاهية والمتعة واللذة؛ واختصار الزمن له، وتقريب المسافات، وتخفيف الجهد عنه،