ودفع الآلام الجسدية، وقائمة أيضًا على الرغبة ببسط السلطان على الشعوب، واستغلال خيراتها، وإعداد القوة الكفيلة بتحقيق ذلك بدءًا واستمرارًا.
ولذلك نلاحظ أن مظاهر هذه الحضارة الحديثة ذات صلة وثيقة بهذه الأسس؛ إذ أثمرت لإنسان هذه القرون الحديثة ولمن يأتي من بعده مجموعة كبيرة جدًّا من العلوم المادية المتطورة المتقدمة، ومجموعة ضخمة من المبتكرات والمخترعات التي أفادت الإنسان في مختلف نواحي مطالبه المادية، السلمية والحربية، ومجموعة ضخمة من النظم والتشريعات الوضعية، التي ساهمت في تنظيم علاقات الناس أفرادًا وجماعات وأممًا وشعوبًا ودولًا، كما أثمرت له ذخائر كبيرة جدًّا من القوى الحربية الدفاعية والهجومية.
ولا بد أن يلاحظ الباحثون المنصفون في هذه الحضارة الحديثة أن أسسها الفكرية غير شاملة لحاجات الحياة كلها، وذلك لإهمالها جوانب مهمة من حياة الإنسان النفسية والروحية والخلقية والسلوكية، ولاستهانتها بالجوانب الفكرية العليا، المتصلة بمنشأ الإنسان ومعاده، والغاية من وجوده.
من أجل ذلك فإن هذه الحضارة الحديثة لن تستطيع أن تعطي الصورة المثلى للحضارة الإنسانية الراقية، وربما يكون تقدمها الباهر في وسائل الرفاهية وأعتدة القوة سببًا من أسباب دمارها المذهل إن عاجلًا أو آجلًا.
سادسًا: وأما الحضارة الإسلامية فهي الحضارة الوحيدة التي تشتمل أسسها الفكرية والنفسية على حاجات الحياة كلها، من مختلف جوانبها الفكرية والروحية والنفسية والجسدية والمادية، الفردية والاجتماعية، ومن جميع المجالات العلمية والعملية.
لذلك فهي جديرة بأن تمنح الأمم التي تلتزم بها وتسير في منهجها سيرًا قويمًا الصورة المثلى للحضارة الإنسانية الراقية.
وقد استطاعت أسس هذه الحضارة ووسائلها ومناهجها أن تدفع الأمة الإسلامية في حقبة من الدهر للارتقاء في سلم الحضارة المجيدة المثلى، على مقدار التزامهم بأسسها ووسائلها ومنهجها السديد، وكانت نسبة الارتقاء الذي