مع نهاية القرن الأول الهجري انطلق فريق من علماء المسلمين إلى طلب الحديث النبوي من حفاظه الثقات، ومن مدونيه في صحفهم، فيتلقونه، ويدونونه، ويحفظونه، ويشدون الرحال في طلبه من حملته.
واتسعت دائرة الحركة العلمية في هذا المجال اتساعًا كبيرًا، في ظاهرة حضارية عديمة النظير، لم تشهد أمة دينية ولا مدينة مثلها.
وأولع المحدثون بالرحلة لطلب الحديث، ولو لحديث يجهلونه، أو لسماعه من راويه التابعي الذي سمعه مباشرة من الصحابي، أو لسماعه من تابع التابعي الذي سمعه مباشرة من التابعي، أو لسماعه من راوٍ ثقة، وإن كان محفوظًا من طريق آخر، أو من طريق طالت فيه سلسلة الرواة.
ووضع علماء الحديث منهجًا رائعًا للتثبت من صحة رواية الأحاديث، ولنبذ ما وضعه الوضاعون الكذابون مما نسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبًا وافتراء، إما تعرضًا واتباعًا للهوى، أو غفلة وجهلًا، ولتصنيف سائر الأحاديث المروية في درجات مناسبات لقوة الوسائل التي تمت بها صلة الخبر برسول الله صلى الله عليه وسلم.
واعتمدت أصول هذا المنهج الرائع السوي للتحقق من صحة رواية الأحاديث على عدة عناصر، كل عنصر منها يتطلب جهدًا علميًّا واسعًا.
العنصر الأول: النظر الدقيق في رواة الأحاديث، والبحث عن أحوال عدالتهم وضبطهم وأهليتهم لتحمل العلم وأدائه.
ولتحقيق هذا العنصر انطلق علماء المسلمون الباحثون في تتبع مضمن وفحص دقيق، حتى نشأ ما يُسمى عند المسلمين بعلم الرجال، ونشأ علم الجرح والتعديل، وهو علم لم يكن عند أحد قبل المسلمين، وأما الذين قلدوهم به من بعدهم فإنهم لم يبلغوا ما بلغوه من تحرير ونقد، ومتابعة تامة لأحوال الرواة المحدثين.