لا يصعب علينا ملاحظة أن الوسيلة الثانية من وسائل بناء الحضارة الإسلامية بناء واقعيًّا بعد وسيلة التعلم والتعليم، إنما هي وسيلة تطبيق العلم بالعمل، وذلك عن طريق الاستفادة المباشرة من المعارف، وعن طريق الاختراع والابتكار والتحسين.
أما الاستفادة المباشرة من المعارف والعلوم فتتمثل بكل ما يمارسه الإنسان في حياته من عمل، وبكل ما يجتنيه من أمر، مستهديًا بحقائق المعرفة التي توصل إليها، وبالقواعد والقوانين والسنن والتجارب الكونية التي عرفها، بأي طريق من طرق اكتساب المعارف والعلوم الحسية أو الاستدلالية العقلية أو الخبرية.
فالنار مثلًا حقيقة من الحقائق الكونية ذات صفات، والعاقل الذي يعرف حقيقة النار ويعرف صفاتها وخصائصها، من شأنه أن يحسن الاستفادة من الخصائص والصفات التي عرفها لها بشكل مباشر، فهو يبتعد عنها خشية أن تحرقه أو تحرق متاعه، ويبعدها عن كل مكان تؤذي فيه إذا حلت به، ثم هو ينضج طعامه عليها، ويصهر معدنه، ويستخدمها في كل ما يحتاج إصلاحه إلى درجة حرارة مرتفعة، إلى غير ذلك من منافع، مع اتخاذه كل الوسائل المستطاعة للوقاية من ضرها وأذاها.
والماء أيضًا حقيقة من الحقائق الكونية، وهو ذو صفات وخصائص، والعاقل الذي يعرف صفات الماء وخصائصه يحسن الاستفادة منه بشكل مباشر، فيشرب منه، ويغسل به الأدران، ويسبح فيه، ويجري الجواري عليه، ويسقي