للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منه الأرض والدواب والأنعام، ويبحث عن أحواضه وينابيعه، ويستنبطه بكل وسيلة ممكنة، ثم هو يجتنب ما فيه من ضر وأذى، فيتخذ كل وسيلة ممكنة للوقاية من ضره وأذاه.

وهكذا في كل الحقائق الكونية المادية والمعنوية ذات المنافع أو المضار، إذ يتعرف الإنسان العاقل بكل وسائل المعرفة التي لديه على منافعها ومضارها، فيستفيد منها استفادات مباشرات بنسبة ما لديه من معارف عنها، متقيًا ما فيها من مضار.

وأما الاستفادة غير المباشرة من المعارف والعلوم، فتتمثل بما يمارسه الباحثون من الانتقال من المنافع المباشرة التي تتضمنها حقائق الأشياء وصفاتها وخصائصها، إلى الاختراع والابتكار وتحسين الوسائل وتطويرها، إلى ما فيه اختصار للزمن، وتوفير للجهد، ومضاعفة للقوة، ورفاهية للعيش، وراحة وأمن، ودفع للآلام أو تخفيف لها، وتحقيق للعدالة الاجتماعية، مستهدين في كل ذلك بأصول المعرفة التي لديهم عن حقائق الأشياء وصفاتها وخصائصها.

فهم لا يقفون عند حدود الانتفاع من الأشياء بما تتضمنه من منافع جاهزة مهيأة فيها بوضعها الفطري، ولكنهم يجمعون المفردات القابلة للتلاؤم، فيوجدون منها أشياء جديدة، ذات خصائص أكثر منفعة وفائدة لبني آدم، ويدخلون على الأشكال الموجودة في الأشياء الفطرية أشكالًا جديدة، ويضيفون إلى صفاتها صفات جديدة أو يبذلون منها، عن طريق الجمع أو التفريق، لتكون الأشياء أكثر فائدة للناس، وأعظم منفعة.

ولا يتم لهم ذلك إلا بقدرة عالية من حسن التخيل والتصور، مع اختيارات وتجارب حكيمة للاحتمالات الممكنة، ومع تتبع واستقصاء، وتأمل وتفكر، وأناه وصبر، ودقة في التنفيذ، واعتماد على الأصول الثابتة التي توصلت إليها المعرفة الإنسانية، خلال قرونها الخوالي.

ومن شأن تطبيق العلم في أنواع الاستفادات المباشرات وغير المباشرات أن يجعل للتقدم الحضاري والمدني أثرًا ظاهرًا في نظم الحياة، وطرق العيش، والعلاقات الاجتماعية، وأثرًا ظاهرًا في العمران والزراعة، والصناعة والصحة والطب، ووسائل الرفاهية والقوة، إلى غير ذلك مما تحتوي عليه المدنيات الراقيات، من كل ما فيه خير الإنسانية أفرادًا وجماعات.

والعمل التطبيقي تنفيذ وتجربة واختبار مع جهد حثيث لارتقاء كل مرتقى حضاري كريم، وهذا مما يدعو إليه الإسلام، وبحث عليه بإلحاح شديد.

<<  <   >  >>