[المقولة الثانية: شرح المثاليات في أسس الإسلام الحضارية]
أولًا: المثالية في العقائد
إن المثالية في جانب الإيمان المطلوب من كل مسلم قضية لا مندوحة عنها، ولا اعتراض عليها؛ لأن المثالية ليست بالأمر الصعب العسير الوقوع حتى تتنافى مع الواقعية، وإنما هي بعض الاحتمالات الواقعية الممكنة، ولكن مطابقة صورة المعتقدات الإيمانية في الإسلام للحقيقة مطابقة تامة جعلها مثالية، وكذلك وجوب كونها في قلب المؤمن تامة غير منقوصة جعلها مثالية أيضًا، فهي لدى التحقيق مثالية لأنها الصورة المثلى، وواقعية لأن فهمها والأخذ بها ممكن الوقوع لدى كل ذي عقل وإرادة.
وفي إيضاح ذلك أقول:
لما كان الإيمان الذي هو الإقرار والإذعان القلبي بشكلهما الكامل التام أمرًا ميسورًا لكل ذي عقل وإرادة كانت المثالية فيه مطلوبة.
ومن أجل هذا لا تقبل عند الله معرفة بالحقيقة لا إقرار ولا إذعان معها، ولا يقبل إيمان يخالطه تردد وشك؛ لأنه متى خالطه شيء من ذلك لم يكن إيمانًا.
وتتضح هذه الحقيقة حينما نلاحظ أن مفهوم الإيمان يتضمن العلم اليقيني، والاعتقاد الراسخ المقرون بالإقرار والإذعان، وأن الإيمان يجب أن يتناول كل جزء من أجزاء ما يجب الإيمان به، مما هو ثابت بيقين، فمن تردد أو شك ببعض ما ثبت منها بيقين، أو اكتفى باعتقاد أنه الأصوب والأرجح لم يصح إيمانه، ولن تسلم عقيدته، وبهذا نلاحظ أن الإيمان وحتدة لا تتجزأ، ولا تقبل التجزئة، فمن آمن ببعض أركان الإيمان، وكفر ببعضها لم يكن مؤمنًا؛ إذ الجزء الذي كفر به يعود أثره على الجزء الذي آمن به فينقضه.
وذلك لأن عقيدة الإسلام بدأت من الإيمان بالله، والإيمان بالله يستلزم الإيمان بكمال صفاته، وذلك يستلزم تصديقه في ملائكته وكتبه ورسله وأخبار