ج- وفي قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} .
أمر موجه للمسلمين كافة حكامًا ومحكومين بأن يلتزموا جميعًا طاعة الله وطاعة رسوله، فإذا كانوا جميعًا مأمورين بهذه الطاعة فليس للحاكم أن يخالف، فيأمر بما فيه معصية لله، أو معصية للرسول، وليس للمحكوم أن يطيع في ذلك، وإنما تكون الطاعة واجبة فيما ليس فيه معصية لله أو للرسول.
ومن هنا نفهم أن المباحث العامة إذا أمر بها أولو الأمر من المسلمين صارت أمورًا واجبة التنفيذ شرعًا، وإذا نهوا عنها صارت محرمة شرعًا ما لم تكن من حقوق الأفراد بالإباحة الربانية، ولكن أوامرهم ونواهيهم ليست لها صفة الاستمرار لذاتها فيما بعدهم، فلأولي الأمر الذين يخلفونهم أن يغيروا فيها بحسب المصالح التي يقدرونها.
د- وفي قوله تعالى:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم} عطفًا على قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} .
أمر موجه من الله لجمهور المسلمين بأن يطيعوا أولي الأمر منهم، ولا بد أن يكون هذا مقيدًا بما ليس فيه معصية لله أو معصية للرسول؛ لأن أولي الأمر مأمورون بطاعة الله وطاعة الرسول، وجمهور المسلمين مأمورون كذلك بطاعة الله وطاعة الرسول، قبل طاعتهم لأولي الأمر منهم، والجمع بين ذلك لا يتم إلا بأن تنحصر أوامر الأمر ونواهيهم فيما لا معصية لله فيه.
وهذه حقيقة تظاهرت عليها نصوص الشريعة الإسلامية.
فعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". رواه البخاري ومسلم.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة". رواه البخاري.