وكثرت أسئلة المسلمين حول قضايا لم يجد فقهاء التابعين إجابة صريحة عليها، فيما أخذوه من علم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاضطروا أن يتوسعوا في الاستنباط والاجتهاد؛ عملًا بما فهموه من نصوص القرآن والسنة من وجوب قياس الأشباه والنظائر بعضها على بعض، وإعطائها مثل الأحكام المنصوص عليها، ومن ضرورة العمل لاستنباط الأحكام التي يهدي إليها الرأي السديد لإحقاق الحق والعدل، ولتحقيق مصالح العباد على أحسن وجه وأكمله، استهداء بمقاصد الشريعة الإسلامية التي دلت عليها الأحكام المنصوص عليها، في القضايا التي جاء بيان أحكامها في القرآن الكريم، أو في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
واجتهد الفقهاء الباحثون في استخراج الأحكام الفقهية واستنباطها، وقامت بينهم المناظرات حول الأدلة التي استندوا إليها، في المسائل التي اختلفت آراء المجتهدين في أحكامها.
وكان هذا العمل العلمي الاجتهادي ظاهرة حضارية عظيمة، في حدود مفهومات الشريعة الإسلامية، واستنباط الأحكام للقضايا المستجدة التي لم ينص عليها القرآن، ولم تنص عليها السنة ببيان صريح واضح, وإنما يمكن استنباط حكمها بالقياس على ما جاء فيهما، أو بإدراك مقاصد الشريعة التي دلت عليها الأحكام المبينة في الكتاب والسنة.
وقد برز بالفتيا في قضايا الفقه الإسلامي من أعلام التابعين، الملتزمين منهج الصحابة، عدد جم في مختلف بلدان العالم الإسلامي، في المدينة المنورة، وفي مكة المكرمة، وفي الكوفة، وفي البصرة، وفي غيرها من الأمصار.
أولًا: من برز في المدينة
أما من برز في المدينة من التابعين الذين كانوا يفتون في مسائل الفقه الإسلامي فكثيرون، أشهرهم الفقهاء السبعة، وهم:
١- "سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي القرشي ١٣-٩٤هـ" كان أحفظ الناس لأحكام عمر بن الخطاب وأقضيته، لم يدركه الإمام مالك، ولكنه أخذ عن تلميذه "ابن شهاب".