بحثًا عن السنة النبوية، لاستنباط الأحكام الفقهية منها ومن القرآن، دون إهمال القياس وسواء في الاجتهاد الذي يعتمد على الرأي المستهدي بهدي القرآن والسنة في الأصول التي يصح الاعتماد عليها في استنباط الأحكام.
وتميز مذهب الإمام أبي حنيفة -مع اعتماده على استنباط الأحكام من القرآن وما بغله من السنة- بشدة إعمال الرأي في قياس الأشباه والنظائر بعضها على بعض، وإعطاء المقيس حكم المقيس عليه، وبشدة التعمق الفكري بغية إدراك الحق وتحقيق العدل، وبغية إدراك المصالح والمفاسد التي اقتضت حكمة الشارع أن تجعلها هي الأساس فيما يأمر به أو ينهى عنه أو يضع له من أحكام، ولا شك أن هذا المنهج له مستند من القرآن والسنة، وربما كان أكمل لو أضيفت إليه الأدلة التي لم تبلغ الإمام أبا حنيفة وأصحابه من السنة النبوية.
أما التكاليف التعبدية التي قد يستوي في مدارك الناس المأمور به منها ونظيره، وقد يستوي في مدارك الناس المنهي عنه منها ونظيره، والغرض من هذه التكاليف مجرد امتحان الطاعة وتدريب المؤمنين عليها، مع اقتران ما اختاره الشارع من تكليف بالفعل أو بالترك بحكم معقولة، قابلة للاستخراج والاستنباط من قبل أهل الفكر والرأي، الذين يبحثون بعمق وبصيرة، فالحق فيها اتباع السنة على ما صح من بيانها، أو كان كافيًا للاحتجاج به، سواء أدركنا الحكمة أم لم ندركها.
- وانفر داود الظاهري، وهو "أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصبهاني ٢٠١-٢٧٠هـ" الملقب بالظاهري، وإليه تنسب الفرقة الظاهرية بالإعراض عن الرأي والقياس، والأخذ بظاهر الكتاب والسنة، وكان أول من جهر بهذا القول، وهو أصبهاني الأصل من أهل قاشان، ولد في الكوفة، وسكن بغداد، وتوفي بها.
وتبعه في ظاهريته الإمام ابن حزم، وهو "علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري ٣٨٤-٤٥٦هـ" عالم الأندلس في عصره، وكان في الأندلس خلق كثير ينتسبون إلى مذهبه، يقال لهم:"الحزمية". ولد بقرطبة، له مصنفات كثيرة، وقد حمل حملة شعواء على أهل الرأي والقياس، وكتب كتبًا في إبطال القياس