للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمراء، وكان هذا كافيًا لإصلاح أحوالهم، وتسيير شئونهم، فقد كان من حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا يرهق هذا المجتمع بتنظيمات إدارايت واسعات، تصدر ربها قرارات وأوامر سلطانية، بل فوض للأمراء أن يسيروا في الناس بالحق والعدل والرفق والرحمة، مطبقين أحكام كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وملتزمين بالمبادئ الدستورية التي اشتمل عليها القرآن المجيد، وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأعماله وتصرفاته الإدارية.

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحسن انتقاء الأمراء الذين يرسلهم لإدارة شئون البلاد داخل الجزيرة العربية، من الناحيتين الدينية والمدنية، مع الإذن لهم بأن يعملوا بمقتضى المصلحة التي يرونها في الأمور التي ليس لها في القرآن ولا في السنة تعلميات خاصة، مستعينين بمشاورة أهل الحل والعقد في الجهات التي وجههم أمراء عليها.

وسار الخلفاء الراشدون على هذا المنهج، لكنهم أخذوا يتوسعون شيئًا فشيئًا بحسب الحاجة، وبمقتضى اتساع دولة المسلمين، في وضع التنظيمات الإدارية، وتدوين الدواوين.

وربما استفادوا في تنظيماتهم من بعض التنظيمات الإدارية التي كانت تعمل بها الدولتان العظيمان الساقطان بالفتح الإسلامي، دولة الروم، ودولة فارس، مما لا يتعارض مع تعليمات الإسلام.

ومع اتساع الدولة وظهور الحاجة إلى التنظيمات الإدارية الضابطة للعمال والموظفين من جهة، والضابطة لأفراد الشعب من جهة أخرى، كانت هذه التنظيمات تكثر وتتنامى شيئًا فشيئًا، وكان يخضع لأحكامها جهاز الإدارة وأفراد الشعب.

ومما لاشك فيه أنه كلما تطور الشعب تطورًا حضاريًّا بعيدًا عن الحياة القبلية وأعرافها، كان الجهاز الإداري الحاكم فيه بحاجة إلى مزيد من التنظيمات الإدارية الضابطة له، والضابطة لأفراد الشعب، وبهذه التنظيمات الحكيمة العادلة الرشيدة ترتقي الدولة ارتقاء حضاريًّا رفيعًا، ويرتقي بارتقائها شعبها الخاضع لتنظيماتها والملتزم بها.

<<  <   >  >>