للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البينة على المدعي، واليمن على من أنكر. والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا. ومن أدعى حقًّا غائبًا أو بينة فاضرب له أمدًا ينتهي إليه، فإن بينه أعطيته بحقه، وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية، فإن ذلك هو أبلغ في العذر وأجلى للعماء، ولا يمنعنك قضاء قضيت به اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه إلى رشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعه الحق خير من التمادي في الباطل. والمسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا مجربًا عليه شهادة زور، أو مجلودًا في حد، أو ظنينًا في ولاء أو قرابة١، فإن الله تولى من العباد السرائر، وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان. ثم الفهمَ الفهمَ فيما أُدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم قايس الأمور عند ذلك، وأعرف الأمثال، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق. وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذى بالناس والتنكر عند الخصومة "أو الخصوم"٢ فإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر، ويحسن به الذكر، فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزيم بما ليس في نفسه شأنه الله، فإن الله لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصًا، فما ظنك بثواب عند الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته".

قال ابن قيم الجوزية: وهذا كتاب جليل، تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة.

أقول: هذا الكتاب بمثابة قانون وضعه عمر بن الخطاب للقضاة، ومواده مأخوذة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


١ أو ظنينًا في ولاء أو قرابة: أي: أو متهمًا بأن له مصلحة لنفسه من شهادته، كشهادة المعتق لمن له ولاؤه، أو شهادة العتيق، وكشهادة القريب لقريبه الذي يرثه.
٢ شك أبو عبيد راوي خبر كتاب عمر لأبي موسى.

<<  <   >  >>