وفي وسع الأرقام والألفاظ أن تُحصي لنا آثار العرب "أي: المسلمين" في بعض العلوم أو بعض الصناعات، ولكن آثار العرب "أي: المسلمين" في الحضارة العامة لا تستقصيها الأرقام ولا الألفاظ، ولا هي موقوفة على استقصاء أرقام وألفاظ لأن زعم الزاعم أنها قد مضت بغير أثر كبير يناقض العقل البشري كما ينقاض المشاهد والمحسوس، وإسناد هذا الأثر إلى غيرها بلا مشاركة منها على الأقل تعسف لا يؤخذ به في سياق التاريخ.
وقد جاءت النهضة بعد عهد الحضارة الأندلسية، وجاء الإصلاح الديني بعد النهضة، وجاءت الحرية السياسية بعد الإصلاح، فليس في وسع المتعصبين منهم أن يقطعوا الصلة بين الحركة الأولى وما تلاها، مع هذا التلازم في الزمان والأسباب". ا. هـ.
٢- ويقول العلامة "دريبر" في معرض الدفاع عن حضارة العرب "أي: المسلمين" وتسفيه الطريقة التي انتهجها زملاؤه من كتاب أوروبا للتعمية على أفضال المسلمين على الحضارة١:
"ينبغي عليًَّ أن أنعى على الطريقة الرتيبة التي تحايل بها الأدب الأوروبي ليخفي عن الأنظار مآثر المسلمين العلمية علينا. أما هذه المآثر فإنها على اليقين لن تظل كثيرًا بعد الآن مخفية عن الأنظار. إن الجور المبني على الحقد الديني والغرور الوطني لا يمكن أن يستمر إلى الأبد". ا. هـ.
٣- ويقول "سارتون"٢:
"حقق المسلمون عباقرة الشرق أعظم المآثر في القرون الوسطى، فكتبت أعظم المؤلفات قيمة، وأكثرها أصالة، وأغزرها مادة باللغة العربية. وكانت من منتصف القرن الثامن حتى نهاية القرن الحادي عشر لغة العلم الارتقائية للجنس البشري، حتى لقد كان ينبغي لأي كان إذا أراد أن يلم بثقافة عصره، وبأحدث صورها أن يتعلم اللغة العربية. ولقد فعل ذلك كثيرون من غير المتكلمين بها". ا. هـ.
١، ٢ نقلًا من كتاب "أثر العرب في الحضارة الأوروبية" تأليف "جلال مظهر" ص١٧٠.