للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ج- وأخيرًا فإن الحضارة الإسلامية لا تحدها حدود مكانية، ولا حدود زمانية، فكل مكان من الأرض هدف لإقامة الحضارة الإسلامية عليه، وكل زمان من الدهر هدف لإقامة الحضارة الإسلامية فيه.

وبهذين العنصرين "العالمية والشمول" تحتل أسس الحضارة الإسلامية قمة رفيعة من المجد الخالد، لم ترق إلى مثلها آية أسس حضارية أخرى.

وذلك لأن ضيق الحدود الفكرية والنفسية والمادية الذي تعاني منه معظم الحضارات البشرية يجعلها مهما ارتقت عاجزة قاصرة، واقفة في السفوح، أو على الروابي والتلال، أما القمة الرفيعة فلا تصل إليها إلا طاقة مزدوجة القوة، أحد عنصريها العالمية، والعنصر الآخر الشمول.

وهذان العنصران مجتمعان في أسس الحضارة الإسلامية فحق لها أن تفخر بمجدها العظيم، وحق للمسلمين أن يفخروا بها، وأن يحتلوا بسببها قمة المجد الخالد، بين بناة الحضارات البشرية إذ هم عملوا بهديها، وطبقوا إرشاداتها تطبيقًا سويًّا، وفهموها الفهم الصحيح، ووعوها الوعي السديد، وبذلوا في سبيل ذلك ما يملكون من قدرات فكرية ونفسية وجسدية، فردية واجتماعية، وأحسنوا الانتفاع من الطاقات الكونية التي سخرها الله للإنسان.

ثالثًا: وعي المسلمين الأولين

وقد وعت القرون الأولى للمسلمين أسس الحضارة الإسلامية وعيًا مناسبًا، وفهمتها فهمًا سديدًا في معظم أركانها وشروطها وعواملها، فأثمر ذلك للمسلمين وللإنسانية جمعاء نسبة من التقدم الحضاري الباهر، في أقصر زمن عرفه تاريخ الإنسان الحضاري، للانتقال من مرحلة تخلف حضاري بين إلى تقدم حضاري فذ، في كل مجال من مجالات الحياة، تيسرت لهم فيه أسباب تقدم وارتقاء، حتى كان التقدم الذي أحرزوه معجزة تاريخية مدهشة، كما يعلن ذلك متتبعوا الحضارات الإنسانية بالبحث والتأمل، ودراسة المقدمات والنتائج التاريخية، من غربيين وشرقيين.

وامتدت هذه الحضارة الفاذة تتنامي وتزدهر، وتتصاعد في سلم الكمال

<<  <   >  >>