للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ، وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ لِآخَرَ. أَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ، أَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ - فَهِيَ صَحِيحَةٌ. وَإِذَا صَحَّتِ الْمُزَارَعَةُ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ، وَمَا عَدَا هَذِهِ الْوُجُوهَ فَاسِدَةٌ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

إِلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ، فَيُؤَدِّي إِلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فَيَبْطُلُ.

قَالَ: (وَإِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ، وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ لِآخَرَ. أَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ، وَالْبَاقِي لِآخَرَ. أَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْ وَاحِدٍ، وَالْبَاقِي لِآخَرَ - فَهِيَ صَحِيحَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِلْأَرْضِ أَوْ لِلْعَامِلِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِلْعَامِلِ، وَالْبَقَرُ آلَةُ الْعَمَلِ، فَكَانَتْ تَابِعَةً لَهُ لَا يُقَابِلُهَا أُجْرَةٌ كَإِبْرَةِ الْخَيَّاطِ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضٍ مَعْلُومٍ، فَصَارَ كَالدَّرَاهِمِ الْمَعْلُومَةِ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ فَهُوَ اسْتِئْجَارٌ لِلْعَامِلِ؛ لِيَعْمَلَ بِآلَةِ الْمُسْتَعْمِلِ، كَمَا إِذَا شَرَطَ عَلَى الْخَيَّاطِ أَنْ يَخِيطَ بِإِبْرَةِ صَاحِبِ الثَّوْبِ.

(وَإِذَا صَحَّتِ الْمُزَارَعَةُ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ) عَمَلًا بِالْتِزَامِهِمَا، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» .

(فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ) ؛ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ فِي الْخَارِجِ، وَلَا خَارِجَ، وَصَارَ كَالْمُضَارِبِ إِذَا لَمْ يَرْبَحْ. وَإِنْ كَانَتْ إِجَارَةً فَقَدْ عَيَّنَ الْأُجْرَةَ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهَا، بِخِلَافِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، فَلَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ الْخَارِجِ.

قَالَ: (وَمَا عَدَا هَذِهِ الْوُجُوهَ فَاسِدَةٌ) ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا: وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ وَالْآلَاتُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَالْبَذْرُ مِنَ الْعَامِلِ. أَوْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَالْبَاقِي مِنَ الْآخَرِ. أَوْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِنْ وَاحِدٍ، وَالْبَقَرُ مِنْ آخَرَ وَالْبَذْرُ مِنْ آخَرَ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَذْكُورُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ، فَيَجُوزُ، وَيُجْعَلُ الْبَقَرُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ كَمَا تُجْعَلُ تَبَعًا لِلْعَامِلِ.

وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ عَمَلٌ، فَأَمْكَنَ جَعْلُهَا تَبَعًا لِلْعَامِلِ، وَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ; لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ قُوَّةٌ فِي طَبْعِهَا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى يَحْصُلُ بِهَا النَّمَاءُ، فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا تَبَعًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ شَرِكَةٌ بَيْنَ الْبَذْرِ وَالْعَمَلِ، وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّ أَرْبَعَةً اشْتَرَكُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مِنْ قِبَلِ أَحَدِهِمُ الْأَرْضُ، وَمِنْ قِبَلِ الْآخَرِ الْبَذْرُ، وَمِنْ قِبَلِ الْآخَرِ الْبَقَرُ، وَمِنْ قِبَلِ الْآخَرِ الْعَمَلُ - فَأَبْطَلَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْآثَارِ: فَزَرَعُوا، ثُمَّ حَصَدُوا، ثُمَّ أَتَوُا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَجَعَلَ الزَّرْعَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ أَجْرًا مَعْلُومًا، وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْفَدَّانِ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا، وَأَلْغَى الْأَرْضَ فِي ذَلِكَ» .

وَوَجْهٌ آخَرُ فَاسِدٌ أَيْضًا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ مِنْ جَانِبٍ، وَالْعَمَلُ وَالْأَرْضُ مِنْ جَانِبٍ؛ لِمَا مَرَّ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>