للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْخُمْسُ الْآخَرُ يُقَسَّمُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَى بِصِفَتِهِمْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

مِنْ أَهْلِهِ، وَمَنْ يَلْزَمُهُ الْقِتَالُ يُسْهَمُ لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ، لِأَنَّا لَوْ أَسْهَمْنَا لِلْكُلِّ لَسَوَّيْنَا بَيْنَهُمْ وَلَا يَجُوزُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَا يُسْهِمُ لِلْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُرْضَخُ لَهُمْ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَجْعَلُوهُمْ كَأَهْلِ الْجِهَادِ» ؛ «وَاسْتَعَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْيَهُودِ عَلَى الْيَهُودِ فَلَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ» . وَالْمَرْأَةُ عَاجِزَةٌ عَنِ الْقِتَالِ طَبْعًا فَتَقُومُ مُدَاوَاةُ الْجَرْحَى مِنْهَا مَقَامَ الْقِتَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ.

وَالْأَجِيرُ إِذَا قَاتَلَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: إِنْ تَرَكَ خِدْمَةَ صَاحِبِهِ وَقَاتَلَ اسْتَحَقَّ السَّهْمَ وَإِلَّا لَا شَيْءَ لَهُ، وَلَا يَجْتَمِعُ لَهُ أَجْرٌ وَنَصِيبٌ فِي الْغَنِيمَةِ.

وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ دَخَلَ لِلْقِتَالِ اسْتَحَقَّ السَّهْمَ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَمَنْ دَخَلَ لِغَيْرِ الْقِتَالِ لَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، فَالسُّوقِيُّ وَالتَّاجِرُ دَخَلَا لِلْمَعَاشِ وَالتِّجَارَةِ وَلَمْ يَدْخُلَا لِلْقِتَالِ، فَإِنْ قَاتَلَا صَارَا بِالْفِعْلِ كَمَنْ دَخَلَ لِلْقِتَالِ، وَالْأَجِيرُ إِنَّمَا دَخَلَ لِخِدْمَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا لِلْقِتَالِ، فَإِذَا تَرَكَ الْخِدْمَةَ وَقَاتَلَ صَارَ كَأَهْلِ الْعَسْكَرِ.

قَالَ: (وَالْخُمُسُ الْآخَرُ يُقَسَّمُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَى بِصِفَتِهِمْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ) لِمَا تَلَوْنَا مِنَ الْآيَةِ، إِلَّا أَنَّ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِلتَّبَرُّكِ فِي افْتِتَاحِ الْكَلَامِ، إِذِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّ الْأَئِمَّةَ الْمَهْدِيِّينَ وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ لَمْ يُفْرِدُوا هَذَا السَّهْمَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ، وَلَمَّا لَمْ يَفْعَلُوهُ دَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا؛ وَأَمَّا سَهْمُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَكَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِالرِّسَالَةِ، كَمَا كَانَ يَسْتَحِقُّ الصَّفِيَّ مِنَ الْمَغْنَمِ، وَهُوَ مَا كَانَ يَخْتَارُهُ مِنْ دِرْعٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ جَارِيَةٍ لِنَفْسِهِ فَسَقَطَا بِمَوْتِهِ جَمِيعًا إِذْ لَا رَسُولَ بَعْدَهُ؛ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا لِيَ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسَ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ» . وَكَذَلِكَ الْأَئِمَّةُ الْمَهْدِيُّونَ لَمْ يُفْرِدُوهُ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَوْ بَقِيَ بَعْدَهُ أَوِ اسْتَحَقَّهُ غَيْرُهُ لَصَرَفُوهُ إِلَيْهِ.

وَأَمَّا سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحِقُّونَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنُّصْرَةِ وَبَعْدَهُ بِالْفَقْرِ؛ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جَاءَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَا نُنْكِرُ فَضْلَ بَنِي هَاشِمٍ لِمَكَانِكَ مِنْهُمُ الَّذِي وَضَعَكَ اللَّهُ فِيهِمْ أَرَأَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَمَنَعْتَنَا وَإِنَّمَا هُمْ وَنَحْنُ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ» . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِغَيْرِ الْقَرَابَةِ وَإِنَّمَا بِكَوْنِهِمْ مَعَهُ يَنْصُرُونَهُ، وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَى بَنِي الْمُطَّلِبِ وَحَرَمَ بَنِي أُمَيَّةَ وَهُمْ إِلَيْهِ أَقْرَبُ» ، لِأَنَّ أُمَيَّةَ كَانَ أَخَا هَاشِمٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَالْمُطَّلِبَ أَخُوهُ لِأَبِيهِ، فَلَوْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْقَرَابَةِ لَكَانَ بَنُو أُمَيَّةَ أَوْلَى، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ قُرْبُ النُّصْرَةِ لَا قُرْبُ النَّسَبِ، وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -

<<  <  ج: ص:  >  >>