وَإِسْلَامُ (ز) الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَارْتِدَادُهُ صَحِيحٌ (س ز) ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
إِنَّمَا تَثْبُتُ لِلْوَارِثِ لِاسْتِغْنَائِهِ، فَإِذَا عَادَتْ حَاجَتُهُ تَقَدَّمَ عَلَى الْوَارِثِ وَجَمِيعِ مَا فَعَلَهُ الْقَاضِي إِلَّا مَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ مَا دَامَ عَلَى مِلْكِهِ كَالْهِبَةِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ فِي شَيْءٍ زَالَ عَنْ مِلْكِ الْوَارِثِ كَالْمَوْهُوبِ، وَسَوَاءٌ زَالَ بِمَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، أَوْ مَا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالْعِتْقِ؛ وَكَذَا لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى مَنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِعِتْقِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ؛ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إِذَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ إِلَى الْوَرَثَةِ وَيَأْخُذُ الْبَدَلَ مِنَ الْوَرَثَةِ إِنْ كَانَ قَائِمًا كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِشَيْءٍ حَتَّى رَجَعَ مُسْلِمًا لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَتَّصِلِ الْقَضَاءُ بِاللَّحَاقِ لَا يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ.
قَالَ: (وَإِسْلَامُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَارْتِدَادُهُ صَحِيحٌ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ) وَكَذَا إِذَا بَلَغَ يُجْبَرُ وَلَا يُقْتَلُ. وَجُمْلَتُهُ أَنَّ إِسْلَامَ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَرِدَّتَهُ صَحِيحَانِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِسْلَامُهُ صَحِيحٌ وَرِدَّتُهُ لَا تَصِحُّ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَصِحَّانِ لِأَنَّ طَرِيقَهُمَا الْأَقْوَالُ، وَأَقْوَالُهُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِقْرَارِ وَالْعُقُودِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِسْلَامَ فِيهِ نَفْعُهُ وَالْكُفْرُ فِيهِ ضَرَرُهُ، وَيَجُوزُ تَصَرُّفُهُ النَّافِعُ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَلَا يَجُوزُ الضَّارُّ كَالْهِبَةِ، وَلِهَذَا قُلْنَا إِنَّ الْوَلِيَّ يُجِيزُ تَصَرُّفَهُ النَّافِعَ دُونَ الضَّارِّ. وَلَهُمَا أَنْ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسْلَمَ وَهُوَ صَبِيٌّ، وَصَحَّحَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِسْلَامَهُ وَافْتَخَرَ بِهِ فَقَالَ:
سَبَقْتُكُمُو إِلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا ... صَغِيرًا مَا بَلَغْتُ أَوَانَ حِلْمِ
وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَمَالُ الْعَقْلِ دُونَ الْبُلُوغِ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ بَلَغَ غَيْرَ عَاقِلٍ لَمْ يَصِحِّ إِسْلَامُهُ، وَالْعَقْلُ يُوجَدُ مِنَ الصَّغِيرِ كَمَا يُوجَدُ مِنَ الْكَبِيرِ، وَلِأَنَّهُ أَتَى بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ مَعَ الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ طَائِعًا دَلِيلُ الِاعْتِقَادِ وَالْحَقَائِقُ لَا تُرَدُّ، وَإِذَا صَارَ مُسْلِمًا فَإِذَا ارْتَدَّ تَصِحُّ كَالْبَالِغِ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ عَقْدٌ وَالرِّدَّةُ حَلُّهُ، وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ عَقْدًا مَلَكَ حَلَّهُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَلِأَنَّ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ الِاعْتِقَادُ تُصُوِّرَ مِنْهُ تَبْدِيلُهُ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِ الِاعْتِرَافُ دَلَّ عَلَى تَبْدِيلِ الِاعْتِقَادِ كَالْإِسْلَامِ.
وَإِذَا ثَبَتَتَ رِدَّتُهُ تُرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الرِّدَّةِ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَتَبِينُ امْرَأَتُهُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لَوْ مَاتَ مُرْتَدًا وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، لِأَنَّا لَمَّا حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ لَا يُتْرَكُ عَلَى الْكُفْرِ كَالْبَالِغِ، وَلِأَنَّ بِالْجَبْرِ يَنْدَفِعُ عَنْهُ مَضَرَّةُ حِرْمَانِ الْإِرْثِ وَبَيْنُونَةُ الزَّوْجَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَا يُقْتَلُ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ بِالْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ لَا يُبَاحُ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّ إِبَاحَةَ الْقَتْلِ بِنَاءً عَلَى أَهْلِيَّةِ الْحِرَابِ عَلَى مَا عُرِفَ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ عُقُوبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَلِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ كَالْقِصَاصِ. وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يَعْقِلُ لَا يَصِحُّ إِسْلَامُهُ وَلَا ارْتِدَادُهُ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْكُفْرَ يَتْبَعَانِ الْعَقْلَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute