فكم -رحمك الله- تكون قد قسمت لي من جناح البعوضة؟ ولقد دُعيت من قبل إلى نيف وثلاثين ألفًا لآخذها، فقلت: لا حاجة لي فيها ولا في بني مروان، حتى ألقى الله فيحكم بيني وبينهم "وها أنا ذا اليوم أُدعى إلى أضعافها وإلى المزيد معها؛ أفأقبض يدي عن جمرة ثم أمدها لأملأها جمرًا؟ لا والله ما رغب عبد الملك لابنه في ابنتي، ولكنه رجل من سياسته إلصاق الحاجة بالناس ليجعلها مَقَادة لهم فيصرفهم بها؛ وقد أعجزه أن أبايعه؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيعتين، وما عبد الملك عندنا إلا باطل كابن الزبير، ولا ابن الزبير إلا باطل كعبد الملك، فانظر فإنك ما جئت لابنتي وابنه، ولكن جئت تخطبني أنا لبيعته.
قال الرسول: أيها الشيخ، دع عنك البيعة وحديثها، ولكن من عسى أن تجد لكريمتك خيرًا من هذا الذي ساقه الله إليك؟ إنك لراعٍ وإنها لرعية وستسأل عنها، وما كان الظن بك أن تسيء رِعْيتها وتبخس حقها، وأن تعضلها وقد خطبها فارس بني مروان، وإن لم يكن فارسهم فهو ولي عهد المسلمين؛ وإن لم يكن هذا ولا ذاك فهو الوليد ابن أمير المؤمنين؛ وأدنى الثلاث أرفع الشرف فكيف بهن جميعًا، وهن جميعًا في الوليد؟
قال الشيخ: أما أني مسئول عن ابنتي، فما رغبت عن صاحبك إلا لأني مسئول عن ابنتي. وقد علمت أنت أن الله يسألني عنها في يوم لعل أمير المؤمنين وابن أمير المؤمنين وألفافهما لا يكونون فيه إلا وراء عبيدها وأوباشها ودعارها وفجارها١. يخرجون من حساب الفجرة إلى حساب القتلة، ومن حساب هؤلاء إلى الحساب على السرقة والغصب، إلى حساب أهل البغي، إلى حساب التفريط في حقوق المسلمين. ويخف يومئذ عبيدها وأوباشها ودعارها وفجارها في زحام الحشر، ويمشي أمير المؤمنين وابن أمير المؤمنين ومن اتصل بهما، وعليهم أمثال الجبال من أثقال الذنوب وحقوق العباد.
فهذا ما نظرت في حسن الرعاية لابنتي، لو لم أضن بها على أمير المؤمنين وابن أمير المؤمنين لأَوْبَقتُ. لا والله ما بيني وبينكم عمل، وقد فرغت مما على الأرض فلا يمر السيف مني في لحم حي.
ولما كان غداة غد جلس الشيخ في حلقته في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للحديث