جاءت أحلى من الأمل المعترض سنحت به فرصة؛ وعلى أنها لم تَخْطُ إلينا إلا خطوة وتمامها، فقد كانت تجد في نفسها ما تجده لو أنها سافرت من أرض إلى أرض، ونقلها البعد النازح من أمة إلى أمة.
يا عجبًا! إن جلوس إنسان إلى إنسان بإزائه، قد يكون أحيانًا سفرًا طويلًا في عالم النفس. فهذه الحسناء تعيش في دنيا فارغة من خِلال كثيرة: كالتقوى، والحياء، والكرامة، وسمو الروح، وغيرها؛ فإذا عرض لها من يشعرها بعض هذه الخلال، وينتزعها من دنيا اضطرارها وأخلاق عيشها ولو ساعة؛ فما تكون قد وجدت شخصًا، بل كشفت عالَمًا تدخله بنفس غير النفس التي تدبّرها في عالم رزقها.
ولا أعجب من سحر الحب في هذا المعنى؛ فإن العاشق ليكون حبيبه إلى جانبه، ثم لا يحس إلا أنه طوى الأرض والسموات ودخل جنة الخلد في قبلة.
جلست إلينا كما تجلس المرأة الكريمة الخَفِرة, تعطيك وجهها وتبتعد عنك بسائرها، وتُريك الغصن وتخبأ عنك أزهاره. فرأيناها لم تستقبل الرجل منا بالأنثى منها كما اعتادت؛ بل استقبلت واجبًا برعاية، وتلطفًا بحنان، وأدبًا من فن بأدب من فن آخر؛ وكان هذا عجيبًا منها؛ فكلمها في ذلك الأستاذ "ح" فقالت: أما واحدة, فإننا نتبع دائمًا محبة من نجالسهم، وهذه هي القاعدة. وأما الثانية, فإننا لا نجد الرجل إلا في الندرة؛ وإنما نحن مع هؤلاء الذين يتسوَّمون بسيما الرجال، كحيلة المحتال على غفلة المغفل؛ وهم معنا كالقدرة بالثمن ما يشتريه الثمن، ليسوا علينا إلا قهرًا من القهر؛ ولسنا عليهم إلا سلبًا من السلب، مادة مع مادة، وشر على شر؛ أما الإنسانية منا ومنهم فقد ذهبت أو هي ذاهبة.
قال "ح": ولكن.
فلم تدعه يستدرك بل قالت:"إن "لكن" هذه غائبة الآن, فلا تجيء في